وصلة

قراءة وتحميل رواية في قبضة الأقدار الفصل الحادي والتسعون 91 بقلم نورهان آل عشري

من خلال موقع ويكي ثمار نقدم لكم في هذا المقال ،رواية في قبضة الأقدار الفصل الحادي والتسعون 91 بقلم نورهان آل عشري ، لمزيد من التفاصيل حول المقال تابع القراءة

رواية في قبضة الأقدار الفصل الحادي والتسعون 91 بقلم نورهان آل عشري

رواية في قبضة الأقدار البارت الحادي والتسعون

رواية في قبضة الأقدار الجزء الحادي والتسعون

في قبضة الأقدار

رواية في قبضة الأقدار الحلقة الحادية والتسعون

الخاتمة 🎼💗
هناك أشخاص نتعثر بهم بين أروقة الحياة ودروبها نظُن بأن لِقائنا بهم مُجرد صُدف مُندثرة ولكن بعد ذلك يتضح بـ أنهم حقيقتنا الثابتة في هذا الواقع المليء بالفرضيات، و
بـ أن وجودهم هو اليُسر بين تعسُرات الحياة. نأنس بهم و تألفهم الروح للحد الذي يجعلها لا تتعافى سوى بقربهم . يضيفون نكهة مُميزة إلى حياتنا ، فنشعُر بالإمتنان لهم و لذلك القدر الذي جمعنا بهم ذات يوم .
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
هل شعر أحدكم يومًا بأن قلبه سيتوقف من فرط السعادة بينما عينيه تزرفان الوجع بسخاء وكأن هُناك خلل ما في بؤرة الشعور لديه ؟
كان هذا هو حالها فقد انتصر قلبها أخيرًا و صدق شعوره بأنه مالكه لن يخذله أبدًا ولكن روحها لازالت تنزف على أفعاله السابقة و خذلانه المرير .. لم تحتمل ثقل مشاعرها و تخبطاتها إضافة إلى وجوده الطاغي الذي يخلِق بداخلها مشاعر مُتمردة قد لا تقوى على مجابهتها لذا تراجعت إلى الخلف قاصدة غرفتها غافلة عن نظرات الألم والندم التي تبلورت في عينيه يقابلها نظرات التصميم و الغضب في عيني «سالم» الذي قال بجفاء:
_ و لما زعلتها و كسرت خاطرها و حرمتها تشوف أهلها مكنتش وقتها عرفت إنك بتحبها !
كان الجميع على صفيح ساخن و الأعيُن مُترقبه خاصةً و أن انسحاب «حلا» سيجعل الأمور تزداد سوءاً فـ حزنها كالوقود على نيران غضب «سالم» الذي يُحكِم قبضته بصعوبة حتى لا تُحطم فك «ياسين» الذي قال بجمود:
_ مفيش بيت من غير مشاكل و اللي حصل بينا مشكلة و هتتحل .
«سالم» بفظاظة:
_ دا لما يبقى الكون بيلف حوالين جنابك .. كسرة خاطر أختي مش سهلة ولا مجرد مشكلة .. بس الغلط مش عندك .. دا غلطنا لما فكرناك أمين عليها.
لم يحتمل تقريع «سالم» ليهتف بحدة:
_ أنا حافظت على أختك و عمري ما هنتها ولا زعلتها .. دي مشكلة و حصلت و وارد أنها تحصل في أي بيت.
أوشك «سالم» على الحديث فتدخل «صفوت» يحاول تهدئة الموقف :
_ يا جماعة استهدوا بالله و تعالوا نقعد جوا نتكلم مينفعش الكلام على الباب كدا .
كان غاضبًا منه و بشدة للحد الذي جعله يود لو يقوم بطرده من المزرعة بل من المحافظة بأكملها فهو لا يستحق بنظره ولكن جالت أنظاره على حبيبته التي كانت عينيها خالية من أي تعبير وكأنها تود رؤية رد فعله وهل سـ يحسب حساب لوجودها أم لا ، و أيضًا «جنة» التي كانت خائفة تتمسك بيد «سليم» الذي كان الغضب يلون محياه ثم «نجمة» و «عمار» ، «صفوت» الجميع سيتأثر أن أطلق العنان لغضبه أن يتسيد الموقف لذا تحمحم بخشونة قبل أن يقول:
_ اتفضلوا .
تنفس الجميع الصعداء فقد كان الجو مشحونًا بتيارات الغضب من جانب كلا الطرفين لذا ما أن تقدم الجميع إلى الداخل حتى بادر «عبد الحميد» الحديث قائلًا بوقار:
_ طبعًا يا سالم اني مجدر زعلك عشان أختك ، واللي متعرِفوش أني زي ماهي أختك هي بنتي وربنا وحده اللي يعلم أني عِمِلت أي في ياسين أنا و الحاچة والدته لما عرفنا أنه زعلها .. لكن خلاص الراچل عرف غلطه و چاي لحد عنديك و طالب الصُلح .. نخزي الشيطان بجى ولا نسيبه لما يدخل بيناتنا و يزعِل الكُل ؟
«سالم» بفظاظة:
_ بالنسبة لنا إحنا مش زعلانين أختنا في حضننا و فرحانين أنها خلاص قربت تولد و أن شاء الله تقوم بالسلامة ، فبالنسبة لنا مفيش أي مشكلة .
«ياسين» بحنق:
_ طبعًا ما أنت مراتك جنبك هتتضايق ولا هيبقى عندك مشكلة ليه ؟
«سالم» بجفاء:
_ ومين قالك أني هسمح لمراتي أنها تمشي و تسيب بيتها ؟
«ياسين» بغضب:
_ ولو هي اللي صممت تمشي ؟
«سالم» بتقريع:
_ يبقى المشكلة أكيد من عندي .. ماهو مفيش واحدة هتصمم أنها تسيب بيت جوزها إلا لو كانت مش مرتاحه فية ، ولا أنت ايه رأيك ؟
نجح في الزج به في فخ الإدانة فزفر حانقًا ليتدخل «سليم» قائلًا برزانة:
_ أعذر سالم يا ياسين ، و حط نفسك مكانه لو كانت جنة أو فرح في موقف حلا كنت هتاخد نفس رد فعله كدا ولا لا ؟
لم يُمهله «سالم» الوقت للإجابة إنما تدخل قائلًا بجفاء:
_ مع العلم أني اشتريته لآخر لحظة و اديته فرصة و أجبرتها أنها تتصل عليه عشان لو في مشكلة تتحل قبل ما تكبر .. لكن هو مقدرش دا، ولا حتى كلف خاطره أنه يشوف مراته بتتصل عليه ليه ؟
كان الأمر كارثيًا بالنسبة إليه فـ اخطاءه كثيرة للحد الذي يجعل الحروف تهرب منه فأي مُبرر يُمكن أن يقوله حتى يمحي تلك التهم التي تُلطخ صفحته ؟
_ ماهو دا اللي بقول عليه يا سالم .. الشيطان دخل بيناتهم و عمل عمايله و اضحك عليهم مش عايزينه يضّحك علينا إحنا كمان ، وكل واحد بيبجى عندِه أسبابه ، محدش بيشوف نفسه غلطان .
«سالم» بخشونة:
_ حلا كمان عندها أسبابها ، ولو هو كان عنده أسبابه زي ما بتقول كان قعد و اتكلم .. كان اتكلم معايا على الأقل قالي الوضع واحد اتنين تلاتة، ولو أختي غلطانه كنت هردها و هعرفها غلطها .. الغلط مفهوش قريب ولا غريب كدا ولا ايه ؟
شعر «عبد الحميد» في تلك اللحظة بأنه يود لو يصفع «ياسين» على غباءه و جعلهم بهذا الوضع و خاصةً أن هذا الرجُل لا يُسهِل الأمر عليهم أبدًا انما يجعله يزداد سوءً لذا تدخلت «فرح» قائلة بهدوء:
_ اسمحلي يا جدي .. كلنا عارفين أن ياسين بيحب حلا ، كمان إحنا أهل فطبيعي لما يحصل منه موقف زي دا و في وقت صعب علينا كلنا أن سالم يتضايق منه ، و دا أكيد من عشمه .
تلاحقت أنفاسه من فرط الغضب و ود لو يُحطِم رأسها في تلك اللحظة فأي عشم قد يشعر به تجاه ذلك الوغد؟
تدخل «سليم» يؤازر «فرح» في محاولة من جانب كليهما للتخفيف من حدة الموقف:
_ بالظبط كدا هو إحنا أكيد منرضاش بخراب البيوت لكن كرامة حلا و زعلها فوق كل حاجة بالنسبة لنا .
هتف «عبد الحميد» مُستغلًا الموقف:
_ كله إلا زعل حلا .. دي بتنا و ربنا وحده العالم غلاوتها في جلبي، و عشان أكده أني بنفسي هحب على رأسها و أراضيها .. هي فين ؟ ناديلنا عليها.
صمت تام خيم على الجميع لـ تنصب جميع النظرات على ذلك الذي كان يُطالع كُلًا من «سليم» و «فرح» بنظرات تحدي و كأنه يتحداهم بأن يجروء أحد على تخطيه و الذهاب إلى حلا ، إضافة إلى توعد خفي لكليهمَ فدام الصمت لثواني ثم قطعه «سالم» الذي قال بجمود:
_ طول عمرك راجل محترم يا حاج عبد الحميد و تعرف الأصول كويس .. لكن أنت شفت بعينك حالة حلا ، و ازاي هي متحملتش أي كلام و طلعت على فوق ، و أنا كمان مقدرش اجازف بأني اعرضها لأي انفعال خصوصًا أنها ممكن تولد في أي وقت بالإضافة لأن ضغطها بيعلى ، و دا طبعًا خطر عليها جدا في الولادة .
قال جملته الأخيرة بنبرة ذات مغزى اشعرته بذنبًا كبير و قد لعن نفسه للمرة التي لا يعرف عددها على غبائه في التصرُف معها لذا قال بنبرة حزينة يشوبها التوسل:
_ طب أنا ممكن اتكلم معاها ؟ و أوعدك مش هضغط عليها نهائي .
لاحت بوادر نجاحه في مسعها خاصةً حين تحدث «ياسين» بتلك النبرة التي يغلب عليها الحزن والتوسل ولكنه أجابه بجفاء:
_وجودك قدامها في حد ذاته ضغط.
كانت فرصته الأخيرة لذا قال بجفاء:
_ طب ما تسألها يمكن ليها رأي تاني ؟
أوشك على الرفض ليتدخل «صفوت» بعد أن شعر بالتعاطف مع «ياسين» :
_ وماله يا سالم نسألها .. ميجراش حاجه .
حدجه «سالم» بنبرة غاضبة ولكنه تجاهل غضبه قائلًا بخشونة:
_ ماشي .. هسألها.
ما أن أنهى جملته حتى هتف كُلًا من «سليم» و «فرح» و «جنة» في آن واحد:
_ لا
توجهت الأنظار المُندهشة على ذلك الثُلاثي الا من نظرات غاضبة متوعدة كانت «لسالم» الذي أقسم بأن يُلقنهم درسًا قاسيًا ليهتف سليم مُحاولًا إصلاح الموقف:
_ خليك أنت مع الجماعة .. أنا هطلع اشوفها .. مش معقول تطلع أنت وأحنا كلنا قاعدين يعني ولا إيه يا فرح ؟
كانت نظراته المُرعُبة مُنصبة عليها لذا لم تستطِع النُطق بحرف فقط إيماءة بسيطة من رأسها ليتدخل «عبد الحميد» قائلًا بإبتسامة ماكرة:
_ اطلع أنت يا سليم و سيبني اجعد شويه مع البت الحلوة اللي بتوحشني دي .
كان يُشير بحديثه إلى «جنة» التي ما أن استمعت إلى كلماته حتى اندفعت إلى جانبه تقول بحبور:
_ حبيبي يا جدو وأنت بتوحشني اوي .
تدخلت «فرح» بعفوية:
_ ايه دا وأنا يا جدو مش بوحشك ولا إيه ؟
أجابها «عبد الحميد» بصدق:
_ وه .. كلام إيه دا ؟ طبعًا بتوحشيني يا ست البنتة.
«فرح» بحنو:
_ حبيبي يا جدو ربنا ما يحرمني منك.
تعاظم حنقه منها و من الجميع فتلونت ملامحه بإمتعاض قبل أن يهب من مقعده قائلًا:
_ طب يا جماعه انتوا مش غُرب هخلص كام حاجة كدا و ارجعلكوا تاني.
_ وماله اتفضل .
هكذا تحدث «عبد الحميد» ليُغادِر «سالم» قبل أن يفصل رأسها عن جسدها فهي تعلم أنه لن يرُد كلمتها أمام أحد فاستغلت هذا الوضع جيدًا و قد اغضبه ذلك كثيرًا
ما أن خرج «سالم» حتى هتفت جنة بمرح:
_ سيبك منهم يا جدو قولي ايه رأيك في فستاني ؟
«عبد الحميد» بحب:
_ جمر و فستانك جمرين .. بس ليه ناكشه شعرك أكده ؟
قهقه الجميع على حديث «عبد الحميد» لتقول «جنة» بتذمُر:
_ ناكشة ايه يا جدو دي موضة .
«عبد الحميد» بإندهاش:
ـ موضة ! موضة ايه يا بنتي دا شكله يجطع الخلف .
قهقه الجميع و من بينهم «جنة» على كلمات جدها العفوية فتدخل «عمار» الصامت منذ بداية الحديث:
_ واني بجى ايه جصتي في الليلة دي هتچوز ميتا أني جربت اخلل جارك !
لم يعُد هُناك مفر من الرضوخ لرغبة هذا المُتطفِل الذي يود ان يختطف منه ابنته التي لم يهنأ بها ولم يستطِع أن يروي ظمأ شوقه إليها ولكن الشيء الذي يهون الأمور قليلًا هو ذلك الخبر الرائع الذي أخبرته به حبيبته
عودة لوقتٍ سابق
_ أخيرًا جيت .
هكذا تحدثت «سهام» بحنو ليقابلها «صفوت» بعناق قوي كان يحتاج إليه كثيرًا ثم قال بلهجة مُتعبة:
_ غصب عني يا سهام ملحقناش نطمن على فرح جه موضوع سليم و نجية واديكِ شايفة اللي احنا فيه .. الواحد مبقاش عارف يلاقيها منين ولا منين ! والله ما بقيت قادر اقف على رجلي .
بكل ما يعتمل بداخلها من حب قامت بإجلاسه على المقعد خلفه وهي تقول بحنو:
_ خليك هنا وأنا ثواني وجيالك .
شعر بالفضول من كلماتها وحين رآها تخرج من باب الغرفة ولكن فضوله لم يدُم طويلًا فقد عادت بعدها حاملة سطل من المياة الدافئة بعد أن وضعت بها بعض الزيوت العطرية المُهدئة و املاح مُخصصة لعلاج آلام القدم ثم وضعتها أمام قدمه ثم غمستها بالمياه الدافئة و شرعت يديها تُمسدان مواضع الألم بحنو وسط نظراته المدهوشة من فعلتها مما جعله يقول بخفوت:
_ سهام أنتِ بتعملي ايه ؟
رفعت رأسها لتحتويه بنظرات عاشقة من عينيها قبل أن تسكُب الحُب بين حروفها عندما أجابته:
_ جوزي حبيبي رجليه بتوجعه بلاش ادعكهاله عشان يرتاح !
لامست كلماتها العذبة اوتار قلبه الذي يهيم بها عشقًا جعله يقول بامتنان:
_ حبيبتي مالوش لزوم تتعبي نفسك كدا و قاعدة على الأرض كمان !
ابتسامة عذبة لونت ملامحها قبل أن تقول بنبرة ودودة:
_ الست مننا لو جوزها قالها كلمة حلوة بتبقى عندها استعداد تديله عينيها مابالك بقى لو كان جوزها حنين و بيحبها و عايشة معاه أجمل أيام حياتها زيك كدا .. دانا لو وهبتلك عمري الجاي كله مش هيوفيك حقك يا صفوت
امتدت يديه تجذبانها لتستقر بجانب قلبه و ترتمي بجسدها فوق ساقيه ليقربها منه وهو يهمس بنبرة عاشقة:
_ ابويا زمان كان دايمًا يبص لأمي و يقولي اللي ربنا بيحبك يبعتله زوجة صالحة ، و النهاردة بس حسيت بإحساسه وقتها .. قد ايه أنا محظوظ بيكِ .
احتوت كفوفها وجهه الذي لم تفلح تلك التجاعيد البسيطة في التأثير على وسامته ثم أجابته بنبرة عاشقة:
_ ربنا ما يحرمني منك ولا من ولادنا .
انكمشت ملامحه بحيرة من جملتها سُرعان ما تحولت لترقُب و لهفة تجلت في نبرته حين قال:
_ ولادنا ! أنتِ ..
قاطعته بوضع كفه فوق بطنها المُسطحة وهي تقول بحبور:
_ انا حامل يا صفوت .
لم يعُد يتسع العالم لأجنحته التي خلقتها كلماتها بصدره فترقرقت العبرات في مُقلتيه قبل أن يقول بنبرة مُتحشرِجة:
_ سهام! أنتِ بتتكلمي بجد صح !
تأثرت من فرحته التي تتبلور في عينيه فتساقطت عبرات الفرح من عينيها وهي تقول بتأكيد:
_ صح يا حبيبي .. معرفش إذا كان بنت ولا ولد زي ما بتتمنى بس …
قاطعها بلهفة:
_ بتقولي ايه يا سهام ؟ ولد ايه وبنت ايه ؟ كل اللي ييجي من عند ربنا خير .. دا كله رزق .. ألف حمد و شكر ليك يارب .
أنهى كلماته ثم احتواها بقوة بين ذراعيه وداخله فرحة العالم أجمع.
عودة للوقت الحالي..
_ هو اني جولت ايه دلوق عشان تسرح أكده .. أني فاضل في دماغي برچ واحد جرب يطير بسبب العيلة دي .
هكذا تحدث «عمار» ساخطًا فناظره «صفوت» بإمتعاض تجلى في نبرته حين قال:
_ لما نطمن على حلا و ياسين الأول ويرجعوا بيتهم .. نبقى نشوف.
هتف «عمار» حانقًا:
_ الاااه .. وأني مالي .. شالله ما رچعوا.
لم يكُن يحتمل حنى الهواء الذي يتنفسه لذا صاح مُحذرًا من بين أسنانه :
_ أنت يا ابني أنت خلي بالك من كلامك .
هب «عمار» من مقعده قائلاً بانفعال ونفاذ صبر:
_ اخلي ايه و اقندل ايه .. كان لازم تغضِبها جبل ما اتچوز يعني ! ناجص جرف اني ؟ هي چوازة معجربه خلجة .
لم يستطِع الجميع قمع ضحكاتهم على مظهر «عمار» الغاضب ليقول «عبد الحميد» بحزم:
_ اجعد يا ولد .. دخلتك على بنت اللوا الچمعة الجاية بعد الچاية .. اني متفج معاه على أكده.
ناظره «صفوت» بعتب فهتف «عمار» بصدمة:
_ وه .. انتوا متفجين من ورايا ! طب واني ليه معنديش خبر !
«صفوت» بسخرية:
_ كنا عاملينهالك مفاجأة، وبعدين أنت مش خلاص هتتجوز اقعد بقى خلينا نشوف المشكلة اللي احنا فيها دي .
أنهى كلماته والتفت ناظرًا إلى «فرح» ليقول بنبرة خافتة:
_ بقولك ايه ؟ اطلعي شوفي جوزك .. خايف لا يبلع حد بره .
«فرح» بتهكم:
ـ يعني أنت خايف لا يبلع حد تقوم تبعتني أنا ليه ! لا معلش عندي عيال عايزة اربيها.
«صفوت» بتهكُم:
_ ما كله من عيلتكوا اللي مش ناوية تجيبها البر .
تمتمت «فرح» بخفوت :
_ ان جيت للحق يا عمو العيلتين يقرفوا بلد .
«صفوت» بإستفهام:
_ بتقولي حاجه يا فرح !
«فرح» ببرائة:
ـ لا طبعًا أنا فتحت بقي .
★★★★★★★★★★
تبكي كما لم تبكي من قبل .. مُمزقة ، مُتألمة ، مُشتاقة .. ذلك المُثلث من المشاعر كان أقصى من أن تتحمله خاصةً وهي في تلك الحالة ولكن ما كان يُخفِف قليلًا من وطأة ما تحمله يصدرها تلك الكلمات الحانية التي القتها أمينة على مسامعها وهي مُرتمية بين أحضانها:
_ طب قوليلي عايزة إيه وأنا اعملهولك؟ إيه اللي يرضيكِ و يخليكِ تبطلي عياط كدا .. قلبي مفطور عشانك يا حلا .
تعالت شهقاتها جراء كلمات والدتها التي لا تملِك لها إجابه ولكنها لم تستطِع الصمت إذاء ذلك الألم المُروع في صدرها
_ موجوعه أوي يا ماما .. عايزاه و مش عايزاه .. بحبه و مش قادرة اسامحه .. عايزة اترمي في حضنه و في نفس الوقت مش طايقة اشوفه قدامي .
نهنهاتها كانت كالخناجر تتغرز بصدر «أمينة» التي يجيش صدرها بغضب مروع من «ياسين» و ينفطر قلبها حزنًا على طفلتها فـ أجبرت نفسها على أن تُنحي جميع مشاعرها جانبًا و لتترك الأمور للعقل حتى يُسيرها في الجهة الصحيحة:
_ خلينا نرمي الحزن دا على جنب و نتكلم واحدة واحدة بالعقل عشان نوصل لحل .. أنا مش قادرة اتحمل اشوفك كدا .
رفعت «حلا» رأسها وقد نشب الخوف مخالبه بصدرها من أن تمرض والدتها بسببها لذا تراجعت للخلف قائلة بنبرة مُتحشرجة:
_ انا كويسه يا ماما متقلقيش .
«أمينة» بتعقُل:
_ لا مش كويسه ، و عمرك ما هتبقي كويسة غير لما ترسي على بر «. عشان كدا بقولك نتكلم بالعقل .
«حلا» بحزن:
_ عايزة تقولي ايه ؟
«أمينة» برزانة:
_ موجوعة منه عشان بتحبيه ، ومش عايزاه أو بيتهيقلك كدا عشان موجوعة منه .. مش قادرة تسامحيه علشان عشمك فيه كان كبير أوي وهو خذلك، كل مشاعرك ناحيته بالرغم من أنها متلخبطه إلا أن كل سببها حبك ليه .. صح ؟
والدتها مُحقة و كثيرًا فكل ما يؤلمها منه سببه عشقها الكبير له لذا اومأت برأسها بالموافقه لتُتابع «أمينة» بحنو:
_ طب كل الحب دا ، و بعد المرمطة اللي اتمرمطها دي ، و كل الناس اللي بعتها و رجعناها دي مش نديله فرصة !
_ فرصة إيه يا ماما !
«أمينة» بإقناع:
_ فرصة إنك تسمعيه .. اسمعيه و احكمي .. أنتِ قافلة في وشه كل البيبان بالضبة و المُفتاح بقالك شهور .. حتى لو مش عايزاه زي ما بتقولي مينفعش كل حاجه تنتهي كدا .. لازم تتكلموا
كلمات والدتها وضعتها أمام حقيقة لا مفر منها أن هروبها من أمامه ليس بسبب جرحها منه فحسب بل هناك سببًا آخر تخجل من الإفصاح عنه .. فهي ضعيفة أمام عشقها له .. تخشى أن يُخدِر عشقها آلامها و تسامحه رغمًا عن كرامتها و كبريائها لذا قالت بضعف:
_ خايفة يا ماما .
_ بصي يا حلا أمك بتفهم في الناس كويس ، و أخواتك كمان كدا .. صدقيني لو ياسين وحش أو مابيحبكيش كان سالم طلقك منه من اول يوم جيتي فيه هنا .. ياسين كل اللي كان محتاجه أنه يتربى و يعرف قيمتك ، و دا أنا واثقة منه .. زي مانا واثقة أنه استحاله هيفكر يزعلك تاني أو يدوسلك على طرف .
استكانت الروح و هدأ القلب بكلمات والدتها التي كان يستمع إليها «سليم» ليُقرر التدخُل لمساعدة شقيقته و انتشالها من بحر حيرتها فقام بطرق الباب قبل أن يدلف إلى الداخل و يقترب من «حلا» واضعًا يديه الحانية فوق خصلات شعرها يُمسدها بحنو:
_ العنين الحلوة دي ينفع تعيط كدا !
«حلا» بحزن:
_ غصب عني والله يا أبية .
«سليم» بحنو:
_ يا حبيبتي اعملي اللي أنتِ عايزاه بدل هيريحك .. المهم إنك تعرفي إنك أغلى حاجه عندنا ، و عند ياسين كمان .
تناحرت دقات قلبها بين ضلوعها حسن استمعت إلى كلماته فتابع بمُزاح:
_ اقسم بالله لو ما بيحبك ما كان اتحمل غتاتة سالم أخوكي ولو لحظة .
نجح في مسعاه بجعلها تبتسم رغمًا عنها فتابع بحنو:
_ ياسين كان بيكلمني في اليوم مرة واتنين وتلاته و حرفيًا كان بيتحايل عليا أنه يشوفك أو يسمع صوتك، وأنا وكنت برفض .. أنا بنفسي شفت خوفه عليكِ و حبه ليكِ، والله هو عرف قيمتك و اتعلم من غلطه و فهم أن إحنا بالنسبالك خط أحمر .
صمت «سليم» لثوان ثم ناظر والدته قبل أن يقول بصدق:
_ و بصراحة يا حلا أنا بردو بلتمسله العُذر يعني الوضع عندنا كان سيء .. والله يمكن أول مرة أقولها أنا كنت مرتاح ومطمن من ناحيتك عشان أنتِ هناك بعيد عن القرف اللي كنا فيه .
امتدت كفوف «أمينة» تحتضن يد «حلا» قبل أن تقول بنبرة مُشجبة:
_ أخوكي عنده حق يا حلا .. إحنا شوفنا أيام صعبة يا بنتي . أخواتك وولاد عمك مكنوش عارفين يلاقوها منين ولا منين ؟
أخفضت «حلا» رأسها بعد أن بدأت بالاقتناع بحديثهم ليقوم «سليم» بالعمل بمبدأ الطرق على الحديد وهو ساخن فقال بنبرة هادئة:
_ ياسين بره عايز يتكلم معاكِ .. على الأقل ادي لنفسك فرصة تسمعيه .
رفعت رأسها بلهفة و تسارعت دقات قلبها حين علمت برغبته في رؤيتها ولكن «سليم» رفع عنها الحرج ليضعها أمام الأمر الواقع فأومأت بصمت ليتوجه «سليم» إلى الخارج و يهبط الدرج متوجهًا إلى الغرفة و ما أن رآه «ياسين» حتى هب من مكانه فاشار له «سليم» كي يأتي فاندفع مُسرعًا إليه ليقول «سليم» بتحذير:
_ دي اخر فرصة ليك يا ياسين .. أنا حايش سالم عنك بأعجوبة شوفت اللي حصل تحت و بنت عمك الغلبانة هي كمان هتلبس معايا .. حاول تصلح أمورك معاها ، و وربنا لو زعلتها تاني لهسلمك تسليم أهالي.
لم ينتظر لسماع باقي حديث «سليم» فقد هرول إلى الأعلى يسبقه قلبه الذي ينفطر شوقًا إلى محبوبته ليقوم بفتح باب الغرفة مُباشرةً و لكنه تفاجيء بوجود «أمينة» التي ناظرته بعتب صامت ثم توجهت إلى خارج الغرفة لتنصب جميع حواسه مع تلك التي اعطته ظهرها لتتوجه إلى الشرفة فهتف باسمها بنبرة مُلتاعة:
_ حلا.
لم تُجيبه فامتدت يديه توقفها حين التقط معصمها بأنامل ترتجف شوقًا تجلى في نبرته حين قال:
_ وحشتيني.
تسارعت أنفاسها و اهتاجت دقات قلبها حين استمعت لنبرته المُشتاقة التي ذكرتها بلحظات رائعة جمعتهما فحاولت الثبات قبل أن تقول بجفاء:
_ سيب أيدي.
شعورًا قاسيًا أن يقول الإنسان شيء و بداخله ينفيه فقد كان هذا حالها و لأن القلب يشعر بساكنه فقد اقترب منها حد تلاحم أضلعهمَ ليحاوط خصرها بيديه ويقترب من رقبتها واضعًا قبله عميقة بجانب شريانها النابض قبل أن يهمس بجانب أذنها بنبرة مُلتاعه:
_ آسف.
اخترقت كلمته أعماق قلبها الذي كان يصرُخ متوسلًا بالسماح فتناثر الألم من بين عينيها شاكيًا جُرحًا كان هو المُتسبب به . ليُفاجئها حين وضع خده الأيمن فوق كتفها يشاطرها الألم الذي تجلى في نبرته حين قال:
_ عارفه لما تحسي أنك ضايعه و إن مفيش مكان في الدنيا قادرة ترتاحي فيه ! دا كان احساسي وأنتِ بعيد .
بللت عبراته ملابسها فأحرقتها كالجمر ليُتابِع بنبرة موقدة:
_ كنت معاكِ عامل زي الطفل اللي كل ما يزعل أمه تحلف أنها هتسيبه بس هو واثق أنها عمرها ما تعمل كدا .. لحد ما سابته فعلًا قعد يكابر و ويكابر لحد ما لقى نفسه تايه من غيرها بيلف حوالين نفسه يدور عليها في كل مكان ، و كأن عقله مش قادر يستوعب أنها مش هنا .. أنا زي التايه من غيرك.
قست يديه قليلًا حول خصرها و أطلق زفرة حارة من جوفه ألهبت جسدها بأكمله ليُتابِع بنبرة مُتألمة:
_ عملتي معايا زي المخدرات ما بتعمل في الإنسان بالظبط. تغيره عشان يتعلق بيها و بعد كدا زي المجنون مش قادر يعيش من غيرها ، و عشان يبطلها تطلع روحه وهو بيحاول.
استنشق عبيرها الدافيء لتنتشي رئتيه برائحتها و يضمها بقوة قبل أن يُتابع بصوتًا أجش:
_ بس أنا مش عايز ابطل ادماني ليكِ .. حتى لو هقولهالك قدام الناس كلها .. سامحيني ، و أسف ، و بحبك .
إلى هُنا و انهارت كل جبال الجليد التي تُحيط نفسها بها لتنتزع نفسها من بين ذراعيه وهي تصرُخ بانهيار:
_ كسرتني يا ياسين .. وجعت قلبي و حسستني أني ماليش قيمة عندك .
أحكمت قبضته لتلكمه بقوة في كتفه وهي تقول بحرقة:
_ نظرة عنيك اللي كانت بتتبدل كل ما تيجي سيرة أهلي و كأنك بتعايرني بيهم .. زي ما يكونوا قتالين قتلة .. مش مسمحاك حتى لو بحبك .. مش مسمحاك…
قاطع كلماتها وانهيارها حين هوى على ثغرها بعُنف في قبلة قوية كانت سلاحه الوحيد لإمتصاص غضبها فلم يخسر فُرصته معها حتى ولو خسِر حياته وهو يحاول .. طالت قبلته و كأنه يرتشف غضبها و حزنها و انفعالها بينما يديها كانت تُحكِم الطوق حول جسدها ليُثبط مُحاولتها في الانسلاخ عنه إلى أن تعبت و شعرت بوهن جسدها إضافة إلى تيار المشاعر القوية التي جرفتها لتسكُن بين ذراعيه تُجاهد في معركة داخلية مع قلبها الذي يرتجي قربه بل ويتوسل إليها بالصفح .
أنهى قبلته التي سرقت أنفاسهم ولكن لم تُفلتها يداه بل ظل مُحتفظًا بها فقد اشتاقها حد الجحيم الذي سيكون مستقره أن هي غادرته:
_ ابعد عني .
تلك المرة كانت لهجتها مختلفة اهدأ من ذي قبل يشوبها دلال يعرفه حتى وإن جاهدت على إخفائه فهو أكثر من يعلم جميع تفاصيلها .. ليتأكد الآن من أن الطريق الى غفرانها بات مُمهدًا فقام برفع رأسها إليه وهو يقول بنبرة يشوبها التحدي.
_ أمنية مستحيلة يا حلوة قلبي .. أنا قتيلك من هنا و رايح . مش هسيبك ولا لحظة.
حاولت تجاهل دقات قلبها الهادرة و تأثير كلماته بها فقالت بنبرة مُهتزة:
_على اساس اني باخد رأيك ؟
واصل الطرق فوق كوامن ضعفها:
_ بحبك يا حلا .. ميبعدنيش عنك غير الموت .. حنني قلبك دا شويه .
جاهدت كي لا تضعُف و أمام عشقه وقلبها ضعُفت:
_ واضمن منين إنك مش هتعمل فيا كدا تاني .
تفشى الحزن بقلبه قبل أن يهمس بحُزن:
_ للدرجة دي مبقتيش تثقي فيا يا حلا ؟
ادارت عينيها عنه في إجابة صامتة ليجذبها مرة أخرى في مواجهة عينيه قبل ان يقول بحب:
_ معلش .. أنا السبب بس أوعدك والله هرجع ثقتك فيا تاني ، و عمري ما هزعلك أبدًا .. بس انت ابقى راعيني بردو .
قال جملته بعبث فجعدت ما بين حاجبيها وهي تقول باندفاع:
_ دا اللي هو ازاي يعني !
امتدت يديه تلامس وجنتيها قبل أن يقول بنبرة موقدة بعشقها:
_ يعني عارفه أني بعشقك، و متعلق بيكِ أكتر من أي حاجة في الدنيا .. حسسيني أني دنيتك كلها .. اضحكي عليا يا ستي أنا موافق.
ابتسامة بسيطة غافلتها و ارتسمت على ثغرها فابتهج قلبه و انشرح صدره وما أن هم بقطف ثمار التوت من فوق ثغرها فتفاجيء بصرختها التي افزعته:
_ الحفني يا ياسين .
هوى قلبه بين ضلوعه ليهتف بصدمة:
_ مالك يا حبيبتي؟ فيكِ ايه ؟
برقت عينيه حين شاهد تلك المياة التي تساقطت من بين ساقيها اتبعتها بصرخة قوية اخترقت قلبه و على الفور قام بحملها و التوجه إلى الخارج وهو يصرُخ بفزع :
_ عمار .. سليم .. الحقوني انتوا فين ؟
هب الجميع من مقعده لدى سماعه صراخ «ياسين» وأولهم «سالم» الذي ما أن خرج حتى وجده يهرول حاملًا شقيقته التي تصرُخ بين يديه فهتف بغضب:
_ أنت عملت فيها ايه ؟
«ياسين» بحنق:
_ هكون عملت فيها ايه يعني ! دي بتولد .
شهقات فزع قويه انفلتت من بين أفواه الجميع فزمجر «سالم» بشراسة:
_ والدتها قبل أوانها ! نهارك معايا أسود النهاردة.
تدخل «سليم» بلهفة:
_ نوديها المستشفى الاول طيب وابقى خلص عليه براحتك
ثم نظر إلى «ياسين» قائلًا بحنق:
_ الله يخربيتك وأنت فقر
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ♥️
★★★★★★★★
كانت تشعُر بسعادة لا مثيل لها سوى الخجل الذي كان يلون ملامحها إضافة إلى دقات قلبها التي تتعارك بصدرها حين رأته يضع الكارت في الباب ليقوم بفتحه و ما كادت أن تخطو خطوة واحده إلى داخل الغرفة حتى تفاجئت حين وجدت نفسها تطير في الهواء لتهمس بصدمة:
_ طارق .
وصلها صوته العابث يهمس بجانب أذنها:
_ عيون طارق .. اللي نفسه يلف بيكِ ويقول للناس كلها أنه بيعشقك.
أخفضت رأسها خجلًا ليُتابع بنبرة عاشقة:
_ و بعدين حبيبتي الحلوة تدخل جناحها و هي متشاله زي الأميرات بالظبط .
دفنت رأسها بكتفه من فرط الخجل فدلف بها إلى داخل الغرفة ليضعها في المُنتصف و يديه مازالت تحاوطها بحُب تجلى في نبرته حين قال:
_ مبروك يا أميرتي.
طالعته بعشق تبلور في نظراتها و نبرتها حين قالت:
_ الله يبارك فيك يا حبيبي.
اقترب واضعًا قبله دافئة فوق جبهتها وهو يُجاهِد نفسه و جيوش شوقه حتى لا يُخيفها ولكنها خائفة بالفعل لذا أرادت الهرب لتستجمع نفسها فقالت بهمس:
_ هدخل الحمام غير الفستان
قاطعها «طارق» بخشونة:
_ ما قولتلك أنتِ أميرتي الحلوة .« طب ينفع اميرتي تتعب نفسها وأنا موجود!
دب الخوف في أوصالها فهي لديها ذكرى سيئة تخص هذه الليلة بالذات فحاولت التراجع في محاولة منها للهرب من بين براثنه التي اشتدت أكثر حولها فهتفت بذُعر:
_ أنا ..
قاطعها «طارق» بحنو و لهجة شغوفة:
_ أنتِ حبيبتي و روح قلبي ، و النهاردة هعيشك معايا في الجنة. أنتِ بس غمضي عليكِ و سيبي كل حاجه عليا.
أوشكت أن تعارضه فاقترب بشفتيه يُغلِق جفونها بقبلات رقيقه خدرت حواسها فعبأ صدره برائحتها العذبة قبل أن يُطلِق العنان لإعصار شوقه بأن يغمرها بقوة فصار يعترف من حسنها و يتمرغ بين أحضان عشقها وهو يُزيل كل الحواجز التي تعوقه عن التهامها بينما كانت هي و كأن غيمات الحُب الوردية تحملها في سماء السعادة التي لم تصِل إليها سوى معه فاسلمت له روحها و جسدها كما اسلمته قلبها سابقًا ليقضي العاشقان لحظات رائعة بعد أن اتحدت أرواحهم و تلاحمت اضلعهم في ملحمة عشقًا ضارية انتهت بتنهيدة حارقة خرجت من جوفه قبل أن يحتويها بقوة بين ذراعيه ناثرًا عشقه فوق جبهتها وهو يقول بأنفاس مُتلاحقة:
_ مبروك يا أميرتي الحلوة .. كدا بقى التتويج رسمي.
قال جملته الأخيرة بعبث مما جعلها تدفن رأسها في صدره خجلة من كلماته ليُقهقه بقوة و سعادة لأول مرة يشعر بها طوال حياته.
اللّهم إنّك لا تحمّل نفساً فوق طاقتها فلا تحملني من كرب الحياة ما لا طاقة لي به وباعد بيني وبين مصائب الدنيا كما باعدت بين المشرق والمغرب اللّهم لا تحرمني وأنا أدعوك، ولا تخيبني وأنا أرجوك. -اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا ♥️
★★★★★★★★★★
كان الجميع على صفيح ساخن في المشفى بعد أن أدخل الأطباء حلا غرفة العمليات فأخذ «ياسين» يذهب و يجيء أمام الغرفة يشعُر بأن قلبه سيخرج من مكانه من فرط القلق الذي شاركه به الجميع فاقتربت «فرح» لتقف بجانب «سالم» الذي كان يحاول جاهدًا إخفاء قلقه ولكن ليس عليها فما أن شعُر بها تتقدم لتقف بجانبه فقام بمد ذراعه يحاوطها بقوة لتُلقي برأسها فوق صدره فقد كان اليوم مُتعُبًا عليها وقد شعر هو بذلك فقال بخشونة:
_ أول ما نطمن على حلا تروحي .. أنتِ تعبتي أوي النهاردة.
«فرح» بخفوت:
_ مش هروح من غيرك .
«سالم» بوعيد:
_ احسنلك تروحي من غيري عشان أنا جايب آخري منك .
_ وأنا معنديش مشكلة .. أعمل اللي انت عايزه.
وهل يُمكِن أن يقسو الإنسان على روحه ؟ يداه التي تُحيط بها الآن بحنو هل تستطِع أن تُصيبها بأي أذى ؟ كانت أقرب إليه من وتينه أحب إليه من عينيه لا يستطِع المساس بها أو الحاق اي ضرر بها ولو كان طفيفًا و لسوء حظه كانت تعلم بذلك .
مرت دقائق قبل أن يخرُج الطبيب وهو يُطمأنهم بأن حلا وضعت طفليها بسلام و أنه تم نقلها إلى غرفة خاصة ليُهروِل ياسين إلى غرفتها بينما تعالت عبارات الحمد من فم الجميع ليقترب «سليم» من «جنة» التي غفت على كتف والدته التي مال عليها ليقول بخفوت:
_ ماما هروح أوصل جنة البيت هي و فرح و ارجع عشان اطمن على حلا .
_ وماله يا ابني .
قام بحملها بحنو وهو يقول موجهًا أنظاره للجميع
_ انا هروح جنة و ارجع. حد محتاج حاجه اجبهاله ؟
اجابه «عبد الحميد» بإقتراح:
_ وليه تيچي يا ابني روح ريح انتوا تعبتوا جوي النهاردة، وخد كمان الحاچة معاك .. الست مش حِمل المچهود دا كله.
وافق «سالم» على اقتراحه قائلًا بنبرة حاسمة:
_ الحاج عبد الحميد بيتكلم صح .. خد ماما والبنات معاك و صفوت ،وأنا هطمن على حلا و اجي وراكوا.
اعترض «سليم» بقوة:
ـ بتقول ايه يا سالم ؟ أنا لازم أشوف حلا واطمن عليها هي وولادها .
أوشك «سالم» على الحديث فتدخلت «فرح» قائلة:
ـ طب تعالى نودي جنة العربية وأنت اطلع اطمن عليها و على البيبيهات و ارجع و كلنا ندخل نطمن عليها واحد واحد و نروح سوى كلنا .
«سالم» بجفاء:
_ مينفعش نسيب حلا لوحدها .
«عبد الحميد» بنبرة ذات مغزى:
_ حلا معاها چوزها يا سالم .
_ حتى لو معاها الدنيا كلها هي أكيد محتجانا جنبها.
كان يعلم أنها أن سامحته لن تكون بحاجه لغيره ولكنه لن يذهب قبل أن يطمئن أنها آمنه معه لذا نظر إلى «سليم» قائلًا :
_ ودي جنة العربية و خد معاك فرح وأنا هروح أنا وماما نطمن عليها و هنجيلكوا و بعدها تطلعلها أنت .
و بالفعل توجه «سالم» إلى حيث غرفة شقيقته فوجد باب الغرفة مواربًا ليشعُر بالسعادة وهو يجد «ياسين» يحتضن كفها و باليد الأخرى يحتضن أحد أطفالهم فقد أنجبت صبي وفتاة فقام بوضع قبلة حانية فوق رأس والدته وهو يحتوي كفها قائلًا بحنان:
_ البنت الحلوة اللي بضفاير كبرت و بقت ماما .
انبثقت عبرات الفرح من عيني «أمينة» و قالت بتأثُر:
_ حبيبة أمها بقت أحلى أم في الدنيا.
لمح «ياسين» طيفهم لتتبدل ملامح «سالم» حين رآه مُقبل عليهم وهو يقول بفرحة لا تسع الكون بأكمله:
_ حلا جابت ولد و بنت زي القمر الاتنين.
اقتربت «أمينة» تحمل الطفلة من يده ليتوجه «ياسين» يحمل الطفل النائم من مخدعه وهو يتوجه به إلى «سالم» الذي حمله بلهفة لم يفلح في مدارتها قائلًا بحبور:
_ أخيرًا شرف اللي هيقولي يا خالو.
قام بطبق قُبلة حانية فوق جبهته قبل أن يناظر «ياسين» بجمود تجلى في نبرته حين قال:
_ مبروك .. يتربوا في عزك .
«ياسين» بنبرة ودودة:
_ الله يبارك فيك يا سالم، وحقك عليا عشان زعلت حلا .. أوعدك مش هتتكرر تاني.
اومأ «سالم» بصمت ولكن لانت ملامحه قليلًا ليلتفت لوالدته حين سمعها تقول:
_ بص يا سالم جميلة ازاي ؟
التفت «سالم» يُناظرها بحنان تجلى في نبرته حين قال:
_ ما شاء الله عيونها جميلة زي عيون حلا .
لم يفلح في إخفاء الرعشة في نبرته فما اشبة اليوم بالبارحة فهو لايزال يتذكر تلك الطفلة الرائعة التي حملها ذات يوم وهو يشعُر بفرحة عارمة فأخيرًا أصبح عنده شقيقه ولكن بمرور الوقت أصبحت طفلته و صغيرته التي ما أن فتحت عينيها حتى همست باسمه ليتوجه إليها وينحنى فوقها واضعًا قبلة حانية فوق جبهتها قبل أن يقول بسعادة:
ـ حمد لله على السلامة يا حبيبتي.
«حلا» بخفوت:
_ الله يسلمك يا حبيبي .. ولادي بخير .
«سالم» بحنو:
_ ولادك بخير وزي القمر .. خلاص أنا حجزت عروسة سليم من دلوقتي.
ابتسمت «حلا» بسعادة تضاعفت حين وجدت «ياسين» يتقدم منها بأعيُن تلتمع بغيرة لذا قام بالانحناء و تقبيلها بقوة فوق خدها قبل أن يقول بحـب:
_ حمد لله على السلامه يا روح قلبي .
همست بخفوت:
_ الله يسلمك .
تقدمت «أمينة» لتحتضن «حلا» وهي تقول بحبور:
_ مبروك يا نور عين أمك .. جبتي ولد وبنت القمرات .
_ الله يبارك فيكِ يا ماما يا حبيبتي .. وريهملي عايزة اشوفهم .
اقترب «ياسين» بلهفة ليضع طفله بين يديها و كذلك تقدمت «أمينة» لتضع الطفلة بجانبها فأخذت عينيها تذرفان السعادة على هيئة أمطار غزيرة فاقترب «سالم» قائلًا بحنو:
_ قولي الحمدلله الذي رزقني هذا من غير حول لا ولا قوة.
رددت خلفه بلسانها وقلبها لتلتقم عينيه تعب والدته الواضح فاقترب من «حلا» قائلًا:
_ هروح ماما و اجيلك محتاجة حاجة اجبهالك معايا ؟
«حلا» بإمتنان:
_ ربنا ما يحرمني منك أبدًا .. بس عشان خاطري روح ريح شويه أنت تعبت أوي النهاردة.
سالم بحنو
_ متشغليش بالك بيا انا كويس كول ما أنتِ كويسة.
امتدت يد «حلا» تُمسِك بكفه وهي تضع قبلة امتنان قوية فوق كفه قبل أن تقول بحب:
_ ربنا يخليك لينا كلنا .. إحنا كويسين عشان أنت جنبنا و محاوطنا بحبك و حنانك يا أبيه.
لم يعرف بماذا يُجيبها فأتاه صوت «ياسين» الذي يحاول ألا يُظهِر غيرته:
_ متقلقش يا سالم أنا جنبها و مش هسيبها لحد ما نروح بيتنا
لم يُجيبه «سالم» إنما التفت يُناظر «حلا» بإستفهام صامت فشعرت بالخجل منه ولكنها اكتفت بإيماءه بسيطة من رأسها ليتفهم ما تخجل من قوله فنظف حلقه قبل أن يقول بخشونة:
_ لو احتاجتي أي حاجة كلميني أو لو حاجة ضايقتك بردو كلميني .. في ثواني هكون عندك.
فطن «ياسين» إلى المغزى خلف كلماته فحاول رسم إبتسامة مُجاملة صفراء فوق ملامحه ، فقامت «أمينة» بتوديع «حلا» ثم توجها إلى السيارة ليقوم سليم بالإطمئنان على شقيقته قبل أن يُغادِر الجميع إلى الداخل لينتهي هذا اليوم الطويل أخيرًا
اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي. ♥️
★★★★★★★★★★
تقدم ليفتح باب الغرفة و سعادة العالم بأكمله فحبيبته بعد عناء أصبحت له:
ـ اتفضلي يا حبيبتي.
أشار لها بأن تدلف إلى باب الغرفة لتناظره بخجل تجلى في نبرتها حين قالت:
_ طب مش هتشيلني ؟
«مروان» بإندفاع:
_ نعم ؟ ليه أن شاء الله ؟
«سما» برقة:
_ مروان .. شيلني .
_ دا أنتِ مُصرة بقى !
«سما» بدلال:
_ ايوا ماهو كل عريس بيشيل عروسته يوم الفرح .
«مروان» بإمتعاض:
ـ اه نوع من أنواع المُحن يعني ! بصي يا سما أنا أكتر حاجتين بكرههم في حياتي المُحن والنكد .. بس بما أننا عدينا النكد في الفرح هنعدي المُحن في الفندق .. يالا ياختي تعالي أما اشيلك ماهي ناقصة قطعة نفس.
تجاهلت «سما» ثرثرته و ابتهجت لكونه سيحملها كما تتمنى ولكنها تفاجئت حين وجدته ينحني و يُشبِك لها كفوفه فصاحت بغضب:
_ أنت بتشبكلي ايديك ليه وأنا طالعه على حصان ! ما تشيليني زي ما كل العرسان بتشيل عرايسها .
تفاجيء «مروان» من لهجتها الغاضبة و قال بمهادنة:
_ إيه يا سما يا حبيبتي العصبية دي ! بالراحة ياروحي دانا زي جوزك بردو .
«سما» بضيق:
_ ما انت بتبوظلي كل تخطيطاتي و تصوراتي ليوم الفرح . مش كفاية حمرقت في تمن الفستان .
اندفع «مروان» ساخطًا:
_ لا بقولك ايه معلش .. ماهو أنا مش لاقي الفلوس في الشارع .. أن كنت عديت المُحن و الكُهن و النكد إلا الفلوس.
_ دا أنت بخيل بقى !
استنكر حديثها بقوة:
_ لا مسمحلكيش .. أنا راجل حريص ، و دي تفرق .
مر من جانبهم أحد نُزلاء الفندق يُطالِعهم بإندهاش فهتف «مروان» بحنق:
_ بقولك إيه تعالي ندخل نكمل خناق جوا أحسن الفندق دا شكله كدا مفهوش خصوصية .
صاحت «سما» بسخط:
_ طب مش هتشيلني !
«مروان» بإمتعاض:
_ يخربيتك أنتِ منستيش ! تعالي يالا .
قام بحملها لتتعلق سما برقبته بسعادة بالغة ورغمًا عنها قامت بتطويق عنقه بقوة فشعر بالاختناق ليصبح قائلاً:
_ زوري يا بت دا أنتِ لو قافشة في حرامي غسيل مش هتمسكيه كدا .. هتخرجيني من الدنيا قبل ما اتنيل ادخلها.
سحبت يديها من حول رقبته وهي تقول بلهفة:
_ أنا آسفة والله ما اقصد .
راق له خجلها كثيرًا فقال بلهفة:
_ خايفة عليا ؟
أخفضت رأسها قبل ان تقول بخجل:
_ طبعًا مش حبيبي لازم أخاف عليك .
أوشك أن ينقض عليها فاوقفته بصيحة إعتراض:
_ استنى استنى استنى .
«مروان» بسخط:
_ ايه يا بت الشريط سف ولا ايه ؟
«سما» بدلال :
_ لا .. بس ممكن تسيبني أدخل أغير الفستان وأنت كمان تغير البدلة .
«مروان» بإعجاب:
_ ايوا صح .. لازم نغير الفستان والبدلة .. قد إيه أنتِ بنت حلال يا سما .. خايفة على فلوس جوزك.
اومأت بخجل فقال بحماس:
_ طب يالا ادخلي غيري في الحمام وأنا هغير هنا بس خلي بالك من الفستان أنا دافع فيه دم قلبي .
أخفت امتعاضها و دلفت إلى الداخل ليقوم بخلع جاكيت بذلته و القائه على الأريكة ليسقُط منه شيء ما جذب انتباهه فامتدت يديه تلتقط تلك الحبة وهو يتذكر ما حدث قبل ساعتين من الآن
_ بس .. بس واد يا طارق .. تعالى اقولك .
توجه «طارق» إلى «مروان» الذي كان يُناديه بخفوت ليقول الأخير بإستفهام :
_ بقولك ايه ؟ العيال الصيع صحابك كانوا بيدولك إيه في الخباثة كدا !
ناظره «طارق» بسخط سُرعان ما تحول إلى خُبث حين قال بتمنُع مُفتعل:
_ و أنت مالك .. دي أسرار
«مروان» بلهفة:
ـ على أخوك بردو يا طروق ! دانا مُرة حبيبك.
طافت عيني «طارق» عليه بخُبث قبل أن يقول بضيق مُفتعل:
_ يووه بقى يا مروان .. بلاش جو الصعبنيات دا .. أصحابي و كانوا بيجاملوني يا أخي .
«مروان» بإستفهام:
_ ايوا كانوا بيجاملوك ازاي؟ أنا شايفهم بيحطولك حاجات في جيبك .. إيه الحاجات دي ؟
أتقن تمثيل دوره وهو يتلفت يمينًا و يسارًا و كأنه يخشى أن يسمعه أحد ثم اقترب من أذنه قائلًا بخفوت:
_ دي حاجات كدا لزوم المزاج .. يعني أنت عارف أي عريس في يوم زي دا بيبقى محتاج بيبقى محتاج باور عالي .
«مروان» بصياح :
_ يانهاركوا أسود ممنوعات يا طارق .
كمم فمه بيديه قبل أن يقول بلهفة:
_ وطي صوتك هتودينا في داهيه .. يا ابني الحاجات دي مُصرح بيها الليلادي .. هتفضل طول عمرك قفل كدا .
«مروان» بإحتقار:
_ هو عشان راجل مُنضبط و محترم تبقى قفل
«طارق» بتخابُث:
_ لا يا ابن دولت الليلة دي مينفعش فيها إحترام .. انت لو مسيطرتش النهاردة هتتسوح الأيام الجاية .
«مروان» بإستفهام:
_ إيه دا طب اسيطر ازاي أنا ؟ الطشلها أول ما ندخل الاوضة
«طارق» بإمتعاض :
_ أنت غشيم ياد كدا ليه؟
«مروان» بتهكم:
_ مين اللي بيتكلم عن الغشم عبده موته بذات نفسه ؟
«طارق» بمراوغة:
ـ طب هعديهالك المرة دي عشان أخويا .. اسمع مني البت لو منبهرتش الليلادي هتلبس يا معلم.
التمع الحماس بعيني «مروان» و تجلى في نبرته حين قال:
_ ايوا صح لازم ابهرها .. طب بقولك إيه ما تكمل جميلك معايا و تديني أي حاجه كدا لزوم الإبهار ..
«طارق» برفض مُفتعل:
_ لا يا عم بتقول إيه ؟ أنت قلبك ضعيف وهتفضحنا .. مش كفايه سليم واللي عمله قبل كدا .
«مروان» بفخر و خيلاء:
ـ مين اللي قلبه ضعيف يا ابني ؟ اللي واقف قدامك دا أسد ولا حاجه تأثر فيه ، وبعدين ملقتش إلا سلومة الاقرع تشبهني بيه ! انجز يالا و متقلقش أخوك يفوت في الحديد .
«طارق» بمكر:
_ يا مروان بلاش أنا خايف عليك .
«مروان» بغضب:
_ ما تخلص يا ابني .. خاف على نفسك أنت .
طاوعه «طارق» بعد نجاح مُخططه وقام بإعطائه حبه دواء أخفاها «مروان» جيدًا بين ملابسه ليقول «طارق» بخفوت:
_ الحباية دي تاخدها قبل العشاء و بعدين اتعشوا ، و اللي بعد كدا دا بتاعك يا جامد .
عودة للوقت الحالي
ناظر «مروان» الحبة بحماس قبل أن يقول بسخرية:
_ أخيرًا طلعنا منه بحاجة ابن دولت.
أنهى كلماته وقام بإبتلاع الحبة ثم توجه لإكمال تبديل ملابسه .
أنهت حمامها و ارتدت ثوب رائع من اللون الأبيض بعد أن صففت خصلات شعرها لتتركها تتماوج بدلال خلف ظهرها و قامت بنثر عطرها الناعم خلف أذنها و فوق شريانها النابض لتلقي نظرة رضا على المرآة قبل أن تتوجه إلى الخارج و ما أن خرجت حتى وصل إلى مسامعها صوت مُنفِر و مُزعِج يُشبه صوت ماكينة الري الزراعي .
هرولت إلى الخارج لتتفاجيء بمروان المُلقى فوق الأريكة نائمًا بعُمق للحد الذي جعله يُشخِر بصورة مُزعِجه فصرخت بتحسُر:
ـ مروان أنت نمت ! يا ميلة بختك يا سما
أتى الصباح فاستيقظ «مروان» برأس مُثقل من كثرة النوم فأخذ يتمطى بكسل قبل أن يلتفت ليجد طاولة كبيرة و فوقها أشهى انواع الطعام لتبدأ ذاكرته بالعودة تدريجيًا فإذا به ينظر حوله ليجد نفسه بغرفة أخرى وهنا دق الذُعر خنجره بقلبه ليصبح ساخطًا:
_ يانهار اسوح امبارح كانت دخلتي .. دخلتي ايه؟ انا مدخلتش !
توقف لثوان قبل أن يقول بلهفة:
ـ يالهوي سما .. لا تكون انتحرت !
هرول إلى الداخل فلم يجد أحد بالغرفة و إذا به يتفاجيء «بسما» التي خرجت من المرحاض بوجه لا يُفسر فتيقن من أن الهلاك بإنتظاره لذا تحمحم قبل أن يقول :
_ نعيمًا يا سمسمة.
حدجته بنظرة حانقة قبل أن تلتفت إلى الجهة الأخرى متجاهلة وجوده ليندب داخليًا مما هو مُقبل عليه فحاول أن يكون مرحًا عله يُحاول التخفيف من حدة غضبها قليلًا :
_ سمسمة فطرتي ؟
لم تفلح في قمع غصبها لتهتف ساخرة:
_ لا هخرج أفطر بره مع أصحابي.
تدلى فكه إلى الأسفل من إجابتها ليهتف بإندفاع:
_ نعم ياختي في واحدة تخرج يوم صباحيتها تفطر مع أصحابها !
«سما» بسخط:
ـ صباحيتها ! ايه دا هو النهاردة صباحيتنا !
«مروان» بحرج:
_ علمياً اه .
هتفت «سما» بسخرية:
_ و هو في صباحية بردو من غير عريس !
«مروان» بإندفاع:
ـ وهو أنا رجل كنبه قدامك ! مانا عريس قد الدنيا اهو .
«سما» بتهكُم :
ـ والله ! طب حلو هروح احكي لماما على الموضوع دا، و اشوف رأيها ايه؟
ما أن سمع اسم عمته حتى هوى قلبه بين قدميه فهتف بلهفة:
_ لا سما .. اوعي .. بلاش أمك .. دي هتزفني العمر كله .. خلينا نخلص مشاكلنا بينا و بين بعض .
«سما» بغضب:
_ مشاكلنا دي حلها الطلاق .. اتفضل طلقني .
«مروان» بصدمة:
_ طلاق ايه ؟ هو أنا كنت لسه اتجوزتك !
جذبت حقيبتها لتتوجه إلى باب الغرفة فإذا به يقف سدًا منيعًا أمامها فهتفت بإنفعال:
_ سيبني يا مروان خليني امشي.
«مروان» بعناد:
ـ مش هيحصل يا سما.
ـ متخلنيش اصوت والم الناس عليك.
«مروان» بمُزاح:
_ الصويت في الوقت دا بالذات هيخدم سُمعتي بصراحة.
«سما» بإنفعال:
_ سمعتك ! دانا هخليها في الوحل.
صمتت فجأة حين وجدته ينظر بذُعر إلى شيء ما خلفها ثم قال صارخًا:
_ ديناصور.
رغمًا عنها ارتعبت فالتفتت بلهفة ناظره إلى الخلف فإذا بها تسمعه يُغلِق باب الغرفة من الخارج وهو يقول بإنتصار:
_ ابقي وريني هتخرجي ازاي يا سما هانم !
أخذت تصرُخ غاضبة لتمُر عدة ساعات وهي تصيح تطالبه بإطلاق سراحها وهو يعاند باستماته:
_ قولتلك مفيش خروج اديني فرصه أصلح غلطتي .
«سما» بإنفعال:
_ غلطتك! دانا ابقى مجنونة أن قعدت معاك ثانية واحدة بعد النهاردة .. أنا هتطلق منك .. علشان تعرف تنام براحتك .. مش كفاية محجزتليش في المالديف زي طارق ما حاجز لشيرين !
توقف عقله حين استمع لاسم ذلك الوغد فلون الغصب ملامحه وضيق عينيه بوعيد تجلى في نبرته حين قال:
_ يا ابن الكلب يا طارق وديني لهوريك .
توجه إلى الهاتف وقام بالاتصال على «سليم» الذي اجابه وهو لا يزال نائمًا:
_ إيه عايز إيه أنا ما صدقت انخفيت من وشي جايلي في التليفون كمان !
«مروان» بسخط:
_ ما تفز تقوم يا ابني أنت ؟ والله أنا اللي ارتحت من سحنتك أنت و عمتك.
«سليم» بسخط:
_ انجز عايز عايز إيه عالصبح ؟
«مروان» بجفاء :
_ كنت عايز أعرف اسم الفندق اللي المخفي طارق حاجز فيه ؟
_ ليه ؟
«مروان» بتخابُث:
_ أبدا سما مبهدله الدنيا و عايزة تروح تقضي شهر العسل في نفس فندق أختها نفسنه بنات بقى ما أنت عارف .
زفر «سليم» حانقًا قبل أن يقول بنفاذ صبر :
_ أنت مش وراك غير القرف أصلًا .. أقفل يالا هبعتهولك على الواتس .
اغلق «سليم» الهاتف و قام بإرسال رقم الفندق ليقوم مروان بالإتصال بهم فورًا وهو ينوي الإنتقام من ذلك الوغد وما أن اجابه الطرف الآخر بالانكليزية حتى قال بسخط:
_ لا كلمني مصري وحياة أهلك مرارتي مش طالبة لغات دلوقتي!
ابتسم الشاب على حديثه ولحسن حظه كان يعرف اللغة المصرية ليقول بإحترام:
_ تحت أمرك يا فندم.
«مروان» بإستفهام:
_ بقولك إيه وحياة أهلك في حجز باسم طارق الوزان عندك صح ؟
_ صح يا فندم .
«مروان» بحنق:
_طب بقولك إيه عايز الغيه .
الشاب بإستفهام:
_ طب مين معايا ؟ حضرتك طارق بيه ؟
«مروان» بسخرية:
_ لا أنا خالته ! ايوا طارق بيه اومال مين !
الشاب بإندهاش من طريقته:
_ طب يا فندم ليه كدا حصل إيه؟
_ حصل ايه؟ امممممم .
أخذ مروان يُفكِر قليلًا قبل أن يقول بتحسُر:
_ عايز تعرف حصل ايه ؟ محصلش .. ماهو المصيبة أنه محصلش .
_ يا فندم أنا مش فاهم حاجة .
«مروان» بتخابُث:
_ افهمك أنا بص يا سيدي .. فيك مين يكتم السر ؟
_ طبعًا يا فندم .
«مروان» بمكر:
_ اصل أنا بصراحة جالي نوع نادر من الجرب .
الموظف بإندهاش:
_ دا بجد يا فندم ! هو الجرب أنواع ؟
_ ايوا اومال إيه ! دا نوع صعب جدا و بيخليني يجيلي تبول لا إرادي .. ممكن ابوظلكوا المراتب و ابوش المُلل و تبقى كارثة .
_ يا خبر يافندم للدرجادي ؟
«مروان» بحنق:
_ ايوا يعني أنا هطلع على نفسي سمعة بالباطل مثلا! إحنا عيلة كبيرة و بنخاف على سمعتها .
_ طيب يا فندم حضرتك تؤمر بايه دلوقتي ؟
«مروان» بتشفي:
_ الغي الحجز و حلال عليك الفلوس .
اغلق «مروان» الهاتف وهو يشعُر بالسعادة التي جعلته يقول بتشفي:
_ أما وريتك يا ابن دولت مبقاش أنا .
أنهى جملته و توجه إلى غرفة سما يصيح من خلف الباب
_ سما .. سماية قلبي .. هديتي نتكلم ؟
لم تُجيبه ليشعُر بالريبة فتقدم ليفتح الباب الذي تفاجيء بأنها أغلقته من الداخل بقفل جانبي ليصيح بإنفعال:
_ بت يا سما أنتِ قفلتي الباب من جوا ازاي يا بت ؟
«سما» بغضب:
_ احسنلك مسمعش صوتك لحد ما تمشي من هنا و مشوفش وشك تاني.
صُدٓم مروان من حديثها و ما زاد الطين بله حين سمع صوت التلفاز مما يدُل على أنها تقضي الوقت مُستمتعة لتتركه يُعاني من الأمرين في الخارج فأخذ يصيح غاضبًا
_ بت يا سما افتحي يا بت .. سُمعة العيلة بقت في الوحل .. اطلعي بدل ما اسوحكوا كلكوا.
قامت بفتح باب الغرفة وهي تقول بانفعال
_ نعم عايز ايه وكمان ليك عين تتكلم ؟
قامت بفتح باب الغرفة وهي تقول بإنفعال:
_ نعم عايز إيه وكمان ليك عين تتكلم ؟
كانت جميلة بحق فهو في خضم نزاعهما لم يلحظ ذلك الثوب الرائع بلونه الأبيض الذي يجعلها كـ الملائكه و خصلاتها الرائعة التي تثور حولها فتِضفي جمالً من نوعٍ خاص لم يستطِع مقاومته أكثر فتبدلت نظراته وهي تشملها كليًا لتستقر عند عنقها الملفوف بإغواء و الذي تخضب مع وجنتيها جراء ذلك الخجل الذي تفشى في سائر جسدها حين شاهدت نظراته الجريئة فهتفت بتلعثُم:
_ إيه في إيه ؟ بتبصلي كدا ليه ؟
«مروان» بعفوية:
_ اصلك حلوة أوي.
تلك العاصفة الغوغاء التي كانت تُحيط بها خمدت على الفور جراء غزله الصريح بها و خاصة عندما وجدته يتقدم منها بخطوته وئيده جعلتها تتراجع إلى الخلف وهي تحاول استعادة غضبها منه لتقول بارتباك :
_ خليك .. مكانك .. أنا .. أنا .. بكرهك أصلا.
لم يوقف تقدمه نحوها فقد اختصر العالم بها في تلك اللحظة ليقول بنبرة خشنة مُثخنة بعاطفة جياشة:
_ وأنا بحبك .. خلينا نحط حبي ليكِ قصاد كرهك ليا و نشوف مين فيهم اللي هيكسب ؟
شهقة خافتة شقت جوفها من حديثه لتقول بخوف:
_ إيه؟ يعني إيه دا ؟؟؟؟
ما كادت أن تُنهي جملتها حتى تفاجئت بنفسها تسقـط فوق السرير خلفها و هو أمامها مـباشرةً يُحاوطها من الجهتين وهو يجثم فوقها بجسده القوي و عينيه تطوف على ملامحها بعشق و رغبة تجلت في نبرته حين قال:
_ اثبتيلي إنك بتكرهيني وأنا هثبتلك انك كذابة .. إيه رأيك ؟
حاولت الثبات قدر الإمكان اذ قالت بتلعثُم:
_ اب.. ابعد .. عني .
بلغ الأمر ذروته و فاض الشوق بصدره ليقول بنبرة موقدة:
_ دانا ابقى مجنون لو عملتها..
أنهى جملته قبل أن يسحبها معه في دوامة رائعة من المشاعر الدافئة التي جرفت كليهما فصار يُعبر عن عشقه لها بأفعال جنونية عابثة و قد كانت تُزيد من لهيبه بضحكاتها و دلالها العفوي ليُقرر وشمها باسمه و وضع صك ملكيته عليها فقد كان يتوق لذلك بشدة فإذا به يقوم بإسناد جبهته فوق جبهتها قائلًا بأنفاس محرورة:
_ بعشقك يا سما.
_ مروان .
همسها باسمه بتلك الطريقة لا يُساعده أبدًا بل يُضاعف شوقه و رغبته بها أكثر فلم يعُد يقاوم ليرتشف حروف اسمه من فوق ثغرها ليُغيبها معه في دوامة عشق رائعة حولت ألمها إلى شعور عارم باللذة التي تشاطرت بها قلوبهم لينتهي هذا اللقاء العاصف بإرتماء الثنائي هانئين بين أحضان بعضهم البعض.
★★★★★★★★★★★
مرت ثمان و أربعون ساعة هادئة على أبطالنا لم تخلو من مشاكسات «مروان» و«طارق» الذي علِم لما قام به «مروان» و إلغاؤه لحجز رحلته ولحسن حظه استطاع أن يُعيد الحجز مرة أخرى ليُسافُر مع حبيبته لقضاء شهر العسل كما فعل «مروان» و «سما» نفس الشيء بينما انخرطت كُلًا من «نجمة» و «سهام» و«فرح» للتحضير لـ فرح «نجمة» و«عمار» ، و كان «سالم» مُنشغِلًا بأمور الدائرة و تأمين احتياجات الفلاحين ولم يكُن يدلف إلى المنزل سوى في ساعة مُتاخرة كل يوم ليجدها تغُط في نومًا عميق فتوجه لرؤية «سليم» الصغير الذي كان مُستيقظًا و معه مربيته التي انصرفت لتُتيح الفرصة «لسالم» باللعب معه قليلًا فقام الأخير بحمله ليُقربه منه وهو يشتم رائحته العذبة التي كانت دواء فعال لتعب اليوم فقال بنبرة حانية:
_ حبيب أبوك .. مقدرتش تنام غير لما تشوفني صح !
كان الطفل يتحرك بإنفعال و هو يُمدد ساقيه و يديه في حركات عشوائية رائعة و يطلق أصوات جميلة مُبهجة جعلت ابتسامة رائعة ترتسم على ثغره لـ يضع قُبلة دافئة فوق جبهته قبل أن يقول بحنو:
_ أنت كمان وحشتني أوي .. تعرف ؟ أنا بستنى يومي يخلص بفارغ الصبر عشان أرجع العب معاك الشوية دول .. عارف أني مقصر معاك بس أنا بعمل كل اللي أقدر عليه عشان لما تكبر تفتخر بيا زي مانا كنت بفتخر بجدك الله يرحمه .
كان الصغير يلهو بصخب و كأنه يتفاعل مع كلماته ليُتابِع «سالم» بمُزاح:
_ طبعًا إحنا ملناش غير بعض دلوقتي و خصوصا أن الست ماما بقت تنام من المغرب بسبب أختك الصغيرة واللي عملاه فيها .. ايوا أنا حاسس إنها بنت.
عبأ صدره بالهواء النقي المُحمل برائحة صغيره العذبة وقال بتمني:
_ ربنا يجيبها بالسلامة و يقوم ماما على خير علشان فرحتي تكمل بيكوا .
أخذ يلهو مع صغيره إلى أن بدأ يخلُد إلى النوم فوضعه «سالم» في مخدعه ليتوجه هو الآخر حتى يحظى ببضع ساعات من الراحة قبل يومًا طويلًا آخر .
فرد عوده بجانب «فرح» التي كانت تغط في نومًا عميق فبدت ملامحها هادئة و كأنها تحمل سلام العالم أجمع فقام بتمرير أنامله فوق قسماتها الرائعة وهو يتأملها بحُب قبل أن يُلثِم ثغرها بحنو ثم قام بـ جذبها لـ تتوسط صدره ليستطِع النوم براحة.
هب «سالم» من نومه مفزوعًا حين استمع إلى أصوات بكاء فما أن استيقظ حتى تفاجيء من «فرح» التي كانت تبكي بحرقة فانتفض جالسًا وهو يقول بلهفة:
_ مالك يا فرح بتعيطي ليه ؟
ناظرته بلوم ثم قامت بإدارة رأسها إلى الجهة الأخرى فقال «سالم» بخشونة:
_ في إيه يا فرح ؟ قلقتيني .
أخفضت رأسها تُتمتم بشفاة ترتجف من فرط العبرات:
ـ أنا زعلانة منك أوي .
تفاجىء من حديثها فامتدت يديه تحاوطها بلهفة وهو يقول بإستفهام:
_ زعلانة مني أنا ؟
_ ايوا زعلانة منك أنت.
_ طب ليه أنا عملت إيه زعلك ؟
هكذا استفهام «سالم» لتُباغته فرح التي قالت بحنق:
ـ أنت ليه مبتحققليش أحلامي ؟
«سالم» بإستنكار:
_ أحلام إيه ؟ هو أنتِ كنتِ لسه نمتي عشان تحلمي ؟
هتفت بغضب:
_ أقصد أحلام الطفولة و المراهقة و الحاجات دي يعني!
برقت عينيه من كلماتها وقال بإندهاش:
_ نعم ! أنتِ جاية تعيطي على احلام الطفولة الساعه اتنين بالليل يا فرح ؟
ناظرته بحزن ثم أخفضت رأسها قبل أن تقول بشفاة مُرتجفة:
_ أنا أسفه لو صحيتك .. تقدر تنام وأنا هروح اقعد مع سليم في أوضته.
كادت أن تُغادر فامتدت يديه تجذبها إليه حتى سقطت أسيرة بين ذراعيه ليقترب من أذنها قائلًا بهسيس خشن:
_ طب و سليم بردو هيعرف يحققلك أحلامك !
_ ماهو أنت متضايق و مش متحملني .
كانت أناملة تلهو بخصلات شعرها ليقرب إحداها من أنفه وهو يستنشق رائحتها بعشق قبل أن يقول بنبرة موقدة:
_ محدش في الدنيا يتحملك غيري، و محدش أصلا له حق فيكِ غيري.
كلماته دغدغت حواسها و ألهبت مشاعرها لتقول بدلال:
_ طب وسليم يا أبو سليم؟
شدد من إحتوائها بيد ذراعيه وهو يدفن وجهه في عنقها قائلًا بنبرة محرورة:
_ أنتِ حصري لـ أبو سليم وبس .. فاهمة؟
_ فاهمة.
ما أن أجابته بذلك الهمس حتى قامت يداه بإحتواء جسدها داخل أحضانه ليُصبِح رأسها فوق قلبه مُباشرةً تستمع إلى دقاته المنتظمة فقال بنبرة خشنة:
_ قوليلي بقى ايه هي أحلامك اللي نفسك تحققيها ؟
شعرت بالحماس يسري في أوردتها و رفعت رأسها بحالميه تجلت في نبرتها حين قالت:
_ نفسي ألبس فستان ماكسي ويكون لونه أسود، و اركب عربيه يكون سقفها مفتوح وامشي في طريق طويل وأنا سايبه شعري في الهوى و فارده ايديا الاتنين و كأني حاضنه الدنيا كلها.
كان ينظر إليها وهي تُغمِض عينيها بحالمية تقُص عليه حُلمها البسيط ولكن من الواضح أنه يعني الكثير بالنسبة إليها:
_ طب معلش يعني أنتِ قولتي كل تفاصيل الحلم بس مذكرتيش اسم السواق .. ماهو أنتِ هتطلعي برا السقف و تحضني الدنيا و طبعًا العربية مش هامشي لوحدها يعني !
هكذا تحدث بمُزاح فامتدت يديه تُحيط وجنتيه بحنو وهي تُجيبه بلهجة تقطر عشقًا:
_ زمان مكنتش بفكر في موضوع السواق دا .. بس بعد ما قابلتك عيونك بقت مصحباني في كل احلامي .
اقترب يُلثِم ارنبة أنفها قبل أن يقول بهسيس خشن:
_ الفستان موجود !
برقت عيني فرح من استفهامه لتقابله باستفهام آخر:
_ ليه ؟ اوعى تقول هتحققلي حلمي !
قالت جملتها الأخيرة بترقب فأجابها بخشونة:
_ أنتِ متحلميش يا فرح أنتِ تؤمري مانا قولتلك قبل كدا ست الحسن والجمال تؤمر وأمرها نافذ .
تخلت عن خجلها و قامت بإحتواء ثغره بـ خاصتها في قبلة امتنان قوي يجيش بصدرها نحوه ليُحول هذا الإمتنان إلى مشاعر جارفة أغرقت كليهما لبعض الوقت قبل أن يفصلها سالم لتسترد أنفاسها لتقول بنبرة محرورة:
_ تعرف أنك مجرد ما تفكر تفرحني دا أهم عندي من أحلام الدنيا بحالها .
«سالم» بهمسًا خشن:
_ الدنيا بحالها تحت رجليكِ يا فرحتي .. مقولتليش الفستان موجود ؟
«فرح» بإبتسامة هادئة:
ـ لا مش موجود للأسف .. مجاش في بالي أني ممكن أحقق الحلم دا في يوم من الأيام .
صمتت لثوان قبل أن تقول بحماس:
_ بس أنا دلوقتي مش عايزة الحلم دا .. جه في بالي حلم تاني.
«سالم» بإستفهام:
_ اللي هو؟
«فرح» بحماس:
ـ عايزة أكل ايس كريم و اتمشى على الكورنيش .
مرت نصف ساعة قبل أن يعود الى مكانه بالسيارة وهي إلى جانبه بعد أن أحضر المُثلجات التي اشتهتها لتشعُر بسعادة بالغة وهي تقول بمرح:
_ ايوا بقى .. ميرسي يا روحي .
«سالم» بإندهاش:
_ كل دا عشان ايس كريم ؟
«فرح» بتصحيح:
_ ايس كريم بالفسدق لو سمحت، وبعدين هو مش ايس كريم بس يعني .. ايس كريم والبحر وأنا وحبيبي مع بعض دنا حقي اطير من الفرحة.
ابتسم على مظهرها الطفولي قبل أن يقول بجذب كفها الرقيق يُقبله بحنو تجلى في نبرته حين قال:
_ وأنا وظيفتي في الدنيا دي أني اخليكِ فرحانة على طول .
ابتسمت بحُب تجلى في نبرتها حين قالت:
_ ربنا يخليك ليا يا سالم.
صف السيارة أمام أحد الشواطئ و قام بالترجُل منها لتمتد يديه لتُعانق خصرها و هما يسيران بروية و هواء البحر يلفحهما فيبتهج قلب فرح التي كانت في قمة سعادتها فبالرغم من بساطة الأمر إلا أن وجوده كان أكثر من رائع و خاصةً خوفه عليها حين قال وهو يُحكِم اغلاق معطفها جيدًا وهو يقول:
_ خايف عليكِ تبردي .. هوا البحر شديد.
«فرح» بسعادة:
_ علشان خاطري يا سالم خلينا شوية كمان .
شدد من احتضانها وهو يقول بخشونة:
_ خايف عليكِ يا حبيبي .
«فرح» بعشق:
_ بحب حبيبي دي أوي منك .
تبدلت نظراته إلى أخرى غامضة تشبه لهجته حين قال:
_ بقولك أي ضيفي دا للحلم بتاعك .
«فرح» بإستفهام :
_ اللي هو إيه؟
شهقت بصدمة حين رفعها من خصرها و أخذ يدور بها وهو يصيح بصوتًا جهوري:
_ بحبكككك.
صيحات فرح خرجت من جوفها و تناثرت ضحكتها العذبة حتى ليتبدل ظلام الليل من حولهم و تتلئلئ النجوم في السماء و كأنها تشهد على عشقهم الذي لا مثيل له .
★★★★★★★★★
مرت الأيام حلوة كالعسل على جميع ابطالنا حتى ذلك الابن الضال الذي أخيرًا أصبح مُصرح له بأن يزورهم من حينًا لآخر لرؤية والدته التي كانت تودعه بـ عبرات حارة لم تفلح بكل مرة في قمعها:
_ يا ماما كل مرة أكون عندك تفضلي تعيطي كدا ! ابطل أجي بقى ولا ايه ؟
هكذا تحدث «حازم» إلى والدته التي هتفت بلهفة:
_ لا أوعى يا حازم .. اياك تتأخر عليا .. ده أنا روحي بترد فيا لما بتيجي تشوفني.
امسك «حازم» بكفوفها يُقبلها بحُب وهو يقول بحنو:
_ مقدرش اتأخر عليكِ، وبعدين اعملي حسابك بعد الفرح هتيجي تقعدي معايا يومين .. لازم تدوقي أكلي، و متخافيش أنا عامل حساب اي تلبوك معوي ممكن يحصل .
ابتسمت «أمينة» على كلماته وقامت بعناقه بقوة قبل أن تقول بحنو:
_ أي حاجه من ايدك زي العسل يا حبيبي.
ككل مرة يحاول إنهاء اللقاء سريعًا حتى لا يُرهقها وحتى يتفادى نيران الذنب التي مازالت تحرق أحشاؤه من الداخل ليقوم بالتوجه إلى البوابة الرئيسية ولكن أوقفه اصوات ضحكات صاخبة شعر بها تلامس قلبه الذي قاده لمعرفة هوية صاحبتها فأخذ يتقدم حتى تفاجيء بفتاة تتراجع بظهرها تجاهه و فتاة أخرى صغيرة تُمسِك بخرطوم المياة و تحاول أن تغرقها به
_ ريتال بطلي استهبال مش هلعب معاكِ تاني .
لم تكُن ريتال تعرف حازم أو شاهدته مُسبقًا و حين رأت لبنى على وشك الارتطام به قالت بلهفة:
ـ حاسبي عمو.
لم تستطِع لبنى التحكم في جسدها الذي تراجع للخلف مرة واحدة فإذا بها تسقط بين أحضان أحدهم فالتفتت بحرج لتُصدم بآخر شخص تتوقع رؤيته.
ظلت أسيرة لذراعيه لثوان قبل أن تنتفض كالملدوغة من بين يديه وهي تقول بصدمة:
_ حازم .
_ لُبنى .
هكذا همس دون وعي فقد تبدلت كثيرًا أصبحت أكثر جمالًا و كأنها وردة تفتحت لتُصبِح في أجمل حالاتها ولكن مازالت ملامحها بريئة و عينيها صافية:
_ ازيك يا لبنى عاملة ايه ؟
لا يعرف لما هذا الشعور الغريب الذي اجتاحه حين اختلت عينيه بعينيها بنظرة طويلة قطعتها حين التفتت الى الجهة الأخرى وهي تقول بجفاء:
ـ أنا .. أنا مكنتش أعرف .. إنك لسه هنا .
احزنه نفورها منه ولكن ما حيلته فهي مُحقة لذا قال بنبرة هادئة:
_ كلمة أنا آسف هينة على اللي حصل مني .. بس اتمنى ييجي يوم و تقدري تسامحيني.
التفتت تناظره بصدمة فهل لم يعلم بعد حقيقة الأمر ؟
لم تستطِع أن تُخبره ولم تستطِع أن تتجاوز تلك الحادثة بعد و الآن ظهرت تلك الذكرى المريرة على السطح و بقوة فشعرت بألم كبير في صدرها جعلها عاجزة عن التنفس ليظُن بأنها لا تحتمل رؤيته فهتف بنبرة يائسة:
_ مش هقدر الومك لو كنتِ مش طايقة تبصي في وشي .. لكن أنا غصب عني مقدرش مجيش عشان اشوف أمي .. هي اللي فضلالي يا لبنى .. بعد ما خسرت بغبائي كل حاجة .
اجتاحتها مشاعر كثيرة من بينهم كان الذنب فهي هنا بغير وجه حق بينما هو مُحرم عليه التواجد هنا تعلم أن خطاياه كبيرة ولكنه بصورة أو بأخرى لا يحمل ذنبها بالكامل .. اتعبها التفكير وما تشعُر به لتهتف قائلة :
_ دا بيتك تيجي في أي وقت .. عن أذنك.
أنهت كلماتها وهرولت إلى الداخل غافلة عن أعيُن احترقت بلهيب الغيرة حين رآها تقف معه ليُقسِم بـ أنه سوف يُقيم القيامة فوق رؤوس الجميع فتوجه إلى الخارج لمُلاقاتها وما أن أوشكت بالدلوف إلى باب القصر من الداخل تفاجأت بجدار صلب يسِد الطريق أمامها فشهقت بذُعر فقد كانت ملامحه لا تُبشِر بالخير و خاصةً حين شاهدت قبضته التي كانت تشتد حتى برقت عروق يده فقد كان يُجاهِد نفسه و يحاول بشق الانفُس أن يمنع يديه من أن تطالها فهي لم تُصبِح حلاله بعد لذا هتف بنبرة مُخيفة:
_ تعالي ورايا .
أنهى جملته وهو يتوجه ناحية المُلحق ليقف بحديقة الزهور مُحاولًا تهدئة أنفاسه الثائرة و دقاته الهادرة التي عصفت بداخله حين سمع صوتها المُرتجِف الذي تناقض مع كلماتها حين قالت:
_ عايز ايه؟
كلماتها لم تفلح في إخماد غضبه بل ضاعفته أكثر ولكنه مارس أقصى درجات ضبط النفس حتى لا يُخيفها منه ليقول بنبرة جافة:
_ كنتِ واقفه معاه ليه ؟
لاتزال تحاول الهرب منه لذا قالت بحدة:
_ و دا يخصك في ايه ؟
التفت يناظرها بأعيُن تبرِق من فرط الغضب الذي تجلى في نبرته حين قال:
_ يخصني وأنتِ عارفه و مش معنى أني بلعت النار اللي جوايا كونك لسه على اسمه إنك تسمحي لنفسك تقفي معاه.
لا تعلم ماذا دهاها لتتقاذف العبرات من مقلتيها قهذا اللقاء لم يكُن هينًا عليها أبدًا، ولكنها لم تكُن تعلم ماذا تفعل عبراتها في قلب ذلك الضخم الذي لا شيء يتمناه في هذا العالم اكثر من احتوائها بين طيات صدره ولكنه يعلم أن ذلك مُحرمًا عليه و كم كان هذا الامر شاق عليه ليلتفت إلى الجهة الأخرى وهو يقول بنبرة حادة:
_ بطلي عياط .. أنا مقصدش ازعقلك .. أنا بنبهك بس.
كانت الكلمات تؤلمه إضافة إلى غيرته و عشقه المُحرم الذي لا يعلم من أين ابتُلي به ؟ ولكنه استغفر بداخله حسن سمعها تقول بغضب:
_ أنت اصلًا مش من حقك تنبهني ولا حتى تتكلم معايا .
انفلت زمام الأمور من بين يديه فلم يعُد قادرًا على الصمود أكثر فهتف بنبرة ارعدتها:
_ طب اسمعي بدل التنبيه زعلك أوي .. عشان دا تحذير مش هكرره تاني .
تراجعت للخلف حين شاهدت عينيه تبرقان بتلك الطريقة و الكلمات تخرُج من فمه كالفحيح:
_ لو شوفتك واقفه معاه تاني، ولا لمحتك في مكان هو فيه اصلًا والله والله والله انا بهز سبع سموات لـ هكون مكسره ستين حتة، و مش هيفرق معايا حد ولا هعمل حساب لحد .. سامعه ولا لا ؟
رغمًا عنها اومأت برأسها بلهفة قبل أن تتراجع إلى الخلف هاربه من ذلك الوحش الضاري الذي كان مُخيفًا بل مُرعبًا:
_ ايه اللي بيحصل دا يا هارون ؟
هكذا تحدثت «همت» التي لم تُصدِق ما سمعته وما شاهدته لتُصدم أكثر حين سمعت كلماته الجافة:
_ أنا بحبها، و هطلقها منه واتجوزها .
«همت» بصدمة:
_ هارون أنت اتجننت !
«هارون» بسخط:
ـ اتجننت عشان ايه؟ عشان حبيت زي كل الناس ؟
«همت» بتقريع:
ـ لا طبعًا عمر الحب ما كان عيب .. بس العيب إنك تحب مرات…
قاطعها بوحشية:
_ مش مراته ، واوعي تكمليها .. الكلمة دي بتقتلني .. بتفتت قلبي من جوا .
علا وجيب قلبها حين سمعت كلماته و مظهره المتألم فقد كان يبدو كالأسد الجريح لتقترب منه وهي تربت على صدره قائلة بحنو:
_ يا قلب امك يا ابني.
دمعة غادرة فرت من طرف عينيه تحكي أي وجع يقع تحت سطوته ليقول بلهجة جريحة:
_ أنا بحبها أوي يا ماما .. دي الحاجة الوحيدة اللي اختارتها في حياتي ، و مقدرش اخسرها .
انتفض قلبها ألمًا على ولدها وقالت بحزن:
_ طب يا ابني افرض هي مش بتحبك !
«هارون» بحدة:
_ بتحبني بس خايفة .. مرعوبة وأنا هفضل وراها لحد ما تطمن و تفهم مشاعرها ناحيتي.
«همت» بإستفهام:
ـ متأكد يا ابني ولا بتعلق نفسك بحبال دايبه ؟
_ متأكد .. زي مانا متأكد من اسمي بالظبط ..
ربتت على كتفه بتشجيع قبل أن تقول:
_ يبقى اوعى تسيبها أو تفرط فيها أبدًا
★★★★★★★★★
مرت الأيام كالبرق ليأتي اليوم المنشود فقد أقام «عبد الحميد» الولائم طوال الشهر الماضي وحتى اليوم احتفالاً بأحفاده و زواج «عمار» الذي لم يكُن يُصدِق بأنه أخيرًا سينال محبوبته و سيغفو الليلة بين أحضانها.
اما عن جميلتنا فهي لم تكُن جميلة فحسب بل رائعة تتلئلئ بثوب الزفاف البراق الذي أرسلت «سهام» لجلبه من أحد أشهر بيوت الأزياء العالمية ليليق بابنتها الجميلة التي لم تستطع أن تروي ظمأها من وجودها بجانبها ولكن عزائها الوحيد هو كونها ستكون معها بنفس المكان وليس بعيدًا عنها . اقتربت «سهام» من الفتاة التي كانت تُنسِق ل«نجمة» حجابها لتتولى هي تلك المهمة وهي تقول بصوتًا مُتحشرِج من فرط البُكاء
_ أمورتي الحلوة بقت طعمة، بقت طعمة ولها سحر جديد
لها خفة روح لما بتـضحك بتروح لبعيد
معذورة يا ناس لو خبيتها من العـيد للعيد
معذورة يا ناس لو خبيتها من العـيد للعيد
لو شفتوا جمالها حتحتاروا، تحتاروا، تحتاروا
والبيض والسمر حيتداروا، يتداروا، يتداروا
والحب حتحصل فيه أزمة وتسعيرته بتزيد
أنهت كلمات تلك الأغنية التي كانت دائمًا ما تتلوها عليها وهي طفلة قبل أن تنتزعها أيدي الغدر من بين أحضانها و كم كانت تحلُم بأن يأتي ذلك اليوم و تتلوها عليها من جديد ولا تعلم ماذا دهاها الآن فحين رأتها بذلك الرداء الرائع وهي عروس شعرت برغبة قوية لتشدو بها و كأنه تستعرض آخر ذكرى لها معها قبل أن تُغادِر إلى بيت زوجها .
حاوطت أكتافها «سهام» بقوة من الخلف وهي تبكي بحرقة
فـ شاطرتها «نجمة» البُكاء حين سمعت كلماتها المؤثرة
_ لسه مشتقالك يا نجمة . قلبي ملحقش يشبع منك . لسه فاكرة اخر مرة غنيتلك الأغنية دي ، و معرفش ليه حسيت اني عايزة اغنيهالك دلوقتي. يمكن عشان هتتجوزي و تمشي و تسبيني خلاص .
تحدثت «نجمة» من بين عبراتها
_ انا عمري ما هسيبك يا ماما . هاجيكِ على طول . مش هتأخر عليكِ أبدًا.
شددت «سهام» من عناقها قبل أن تنتشل نفسها من بؤرة الحزن الذي سيُفسِد عليهم فرحتهم لتقول بمُزاح
_ لا بقولك ايه . كفاية عياط بقى . احنا كدا بوظنا الميكب خالص ، و كدا مينفعش ، وأنتِ اياكِ بعد كدا تشوفيني بعيط و تعيطي معايا فاهمه ؟
ابتسمت «نجمة» على كلماتها فنادت «سهام» لخبيرة التجميل لكي تُكمل عملها ليأتي سريعًا الوقت المنشود و تهبط نجمة الدرج تُحيط بها كُلًا من «جنة» و «فرح» و «حلا» و «شيرين» و «سما» وسط الزغاريد والتهليلات وفي الخارج انطلقت الأعيرة النارية و أخذ الرجال يرقصون الرقصة الصعيدي و يتبارزون بالعصي وسط تهليل و فرحة من الجميع لتأتي اللحظة المنتظرة و يتقدم «عمار» أخذ عروسه فقد كان وسيمًا للغاية بذلك الجلباب الصعيدي الذي ضاعف وسامته ليتقدم بهيبة تليق به و يتسلمها من يد «صفوت» الذي تشبس بيدها بقوة قبل أن يُديرها إليه و يرفع كفوفها يُقبلهما بقوة و العبرات تتناثر من عينيه وهو يقول بتأثُر
_ حبيبة قلبي يا نجمة . يا نجمة نورت حياتنا. ملحقتش اشبع منك بس اللي مصبرني اني عارف ان دا هيسعدك . بيتنا هيضلم من تاني.
اقتربت تعانقه بقوة وهو يبادلها العناق بأقوى منه قبل أن تقول بتأثُر
ـ اني مش ههملك واصل يا بابا . هجيك على طول. أساسًا اني مجدرش استغنى عنِكوا .
تراجع «صفوت» يناظرها بحُب تجلى في نبرته حين قال
_ ولا احنا يا حبيبة بابا . ربنا يسعدك يا بنتي.
كان و كأنه يقف على جمر الشوق الذي يحرقه ليقترب منه «مروان» قائلًا بتحفيز
_ ايه يا عم مالك واقف مش على بعضك ليه ؟ هي الرملة سخنة ولا ايه ؟
زفر «عمار» حانقًا
_ ياخي انتوا عيلة تجرف بلد . بجالها كد ايه معاه و چاي دلوق يرغي .
«مروان» بتقريع محاولًا كبت ضحكاته بصعوبة
_ يا ابني انت قدر مشاعر الناس شويه •
«عمار» بسخط
_ واني مين يجدر مشاعري ؟ اني صابر بجالي كتير .
«مروان» بسخرية
_ والله استعجالك دا بيفكرني بواحد صاحبي كان هيموت و يروح ليلة فرحه واول ما وصل الاوضة نام.
قال جملته الأخيرة بتحسُر ليقول «عمار» بامتعاض
_ مين ده اللي ينام يا بغل انت ؟ ليه فاكرني عيل توتو.
«مروان» باندفاع
_ توتو في عينك . لعلمك دا راجل اوي بس ولاد الحرام غدروا بيه .
تجاهله «عمار» وهو يُهروِل تجاه «صفوت» حتى يظفر بحبيبته أخيرًا لتندلع الزغاريد والهتافات و الأعيرة النارية في الخارج أخذت تلاحقه حتى وصل إلى السيارة ليزفر بارتياح قبل أن يتوجه بانظاره إلى الجميلة القابعة بجانبه ليقول بنبرة عابثة
_ الچميل لساته مكسوف مني بردك؟
كانت في تلك اللحظة تكاد تذوب خجلًا فادارت رأسها إلى الجهة الأخرى هربًا من عينيه العابثة فلم يُريد احراجها أكثر لذا احتوي كفها بأنامله الخشنة و ظل صامتًا طوال الطريق الى دوارهم وما أن توقفت السيارة حتى ترجل منها و التفت إلى الجهة الأخرى ليُساعدها بالنزول و ما أن خطت خطوتين تجاه باب المنزل حتى تفاجئت به يحملها بخفة وهو يتوجه بها إلى الداخل وسط صيحات وهتافات من الجميع تجاهلها ليتوجه رأسًا إلى غرفتهمَ التي ما أن دلف إليها حتى قام بإنزالها بـ روية وهو يُغلِق الباب خلفه لـ تنكمش نجمة على نفسها بخجل كان أكثر من مُحبب بالنسبة إليه فقام بخلع عبائته وهو يتقدم تجاهها يحاوطها من الخلف بقوة حد التصاق ظهرها بصدره فسرت رعشة قوية في سائر جسدها لتنتقل إلى جسده فقام بإدارتها إليه وهو يقول بصوتّا أجش
_ عارفة بجالي كدا ايه مستني اللحظة دي ؟
لم تستطع رفع رأسها لتُطالعه من فرط الخجل فمد أنامله أسفل ذقنها حتى يستطِع التنعم برؤية عينيها التي كل مرة يراها بها يقع في عشقها من جديد
_ اني مش مصدج نفسي . حبيبتي خلاص بجيت بين ايديا ؟
خرج صوتها هامسًا حين قالت
_ لا صدج .
لون العبث نظراته وعزفت أنامله انغامًا عابثة فوق خصرها قبل أن يجذبها إليه قائلًا
_ طب جربي عشان اصدج .
_ وه . اجرب اكتر من أكده ايه؟
هكذا استفهمت بخجل ليسكُب عشقه بين حروفه حين قال
_ جربي لما يبجى مفيش مكان للنفس انه يمُر من بيناتنا.
علقت عينيها بعينيه فلم تعُد تمتلك سلطة عليهمَ فقد أسرهم ذلك العشق الذي يتبلور بوضوح في سمائه فقد كانت كـ المنومة مغناطيسيًا ليستغل هو ذلك و تمتد يداه لأزاحة حجابها برفق فـ تناثرت خصلات شعرها الحريري حول وجهها المُنير فازداد اشتعاله اكثر ليتراجع بها إلى المخدع خلفهم وهو يقوم بفك أزرار فستانها الذي تخلى عن جسدها ليظهر أمامه بسخاء كلوحة بديعة ولدت بداخله رغبة هوجاء في امتلاكها فهوى على ثغرها بقوة يرتشف منه نبيذه الرائع و ينهل من شهد ريقها المُسكِر مُطلقًا العنان لعشقه الضاري في تسيُد الموقف ليُمارس طقوس الهوى فوق جسدها و يطبع صكوك ملكيته فوق ما يطاله منها وهي مستمتعه بكل شيء حتى ذلك الألم كان رائعًا معه فـ غاصا العاشقان ببحر السعادة المُطلقة التي أخيرًا كانت من نصيبهم .
★★★★★★★★★
هكذا اجتمع كل عاشقًا بمعشوقه و مرت الأيام بحلوها و مُرها إلى أن انقضت تلك السنة التي غيرت الكثير في نفوس البعض كحازم الذي أخيرًا وقع بالعشق . بعشق تلك الفتاة التي نالت على يديه اسوء مصير يُمكن أن يحدُث لفتاه و هاهو الذئب يقع بعشق الحمل فقد كانت حالة ميؤوس منها كداء لم يُخلق به دواء و كل ما على المرء فعله هو احتمال ألمه حتى يُشفِق عليه الموت و ينتشله من هذا العذاب المُضني .
_ ايه سرحان في ايه كدا ؟
هكذا تحدث «سالم» موجهًا حديثه إلى «حازم» الذي كان ينظُر من النافذة ليُطلق زفرة حارة قبل أن يقول بجمود
_ عادي يعني . مفيش حاجه مهمة.
كان أكثر من يعرفه ويعرف ماهو السبيل إليه لذا قال باستفهام
ـ فكرتك بتفكر تراضي الحاجة أمينة عشان مطنشها بقالك فترة و مبتروحش عشان تشوفها .
أيُمكِن للمرء أن يختار المُضي بكامل إرادته نحو هلاكه ؟
نعم هلاكه في هذا الشعور بالذنب الكبير تجاهها و الذي بات يمنع عنه حتى التنفس فلا يشعُر أبدًا بالراحة الا في أوقات الصلاة تلك هي الأوقات التي ينعزل بها عن العلم و يخشع قلبه أمام خالقة لا يتذكر شيء من هذا العالم أبدًا حتى أنه قام بأداء فريضة الحج و العمرة و ما كان دعائه سوى أن ينتزع الله عشقها من قلبه فليست له ولا يستحقها أبدًا
_ هروحلها والله انا مش مطنشها بمزاجي .
كان الأمر أكبر من تجاهله لذا قال «سالم» بصرامة
_ اقعد يا حازم
توجه «حازم» بخطٍ ثقيلة ليجلس أمام «سالم» الذي قال بخشونة
_ ربنا الحمد لله كرمك و خلصت دراستك ، و مسكت شغلك هنا في الشركة . الحمد لله مبقاش في أي عداوات ليك مع حد ، و اللي كان في قلبه حاجه ليك قدر يتغلب عليها، و إلى حد كبير حياتك بقت طبيعية . يبقى ليه حالتك كدا؟
لم ولن تُصبِح حياته طبيعية أبدًا فمهما حدث و مهما مرت الأيام و حتى السنوات سيظل ذنبه يُلاحقه حتى الممات
_ الحمد لله على كل حاجه يا سالم . انت ليه بتقول كدا ؟ ومالها حالتي ؟
لم يكُن يعرف المراوغة يومًا لذا عمِل بمبدأ قطع العرق و إسالة الدماء
_ بطلت تيجي تزور الحاجه ليه و اوعى تكذب.
أخفض «حازم» رأسه قبل أن يقول بتعب و بقلب كُمِمت أصوات صرخاته
_ بلاش تضغط عليا يا سالم .
_ مش يمكن انا في أيدي اريحك !
«حازم» بمرارة
_ مفيش حد في أيده راحتي ربنا بس اللي يقدر يعمل كدا .
باغته «سالم» حين قالت بخشونة
ـ قد كدا حبيتها !
تناثر الألم من بين عينيه فحاول السيطرة عليه وهو يقول بنبرة مُهتزة
_ انا مينفعش احب . مينفعش احبها هي بالذات . بعد اللي عملته فيها. مينفعش احس كدا ناحيتها. مينفعش حتى ان عيني تيجي في عينها.
«سالم» باستفهام
_ حتى لو هي سامحتك ؟
«حازم» بقهر
_ حتى لو هي سامحتني . هسامح ازاي انا نفسي ؟
كانت معاناته أمرًا شاقًا عليه حتى لو لم تُحِبه فيكفيه أن يُسقِط حِملها من على كتفه لذا لم يستطع إخفاء الأمر أكثر فقال بجمود
_ معرفش اللي هقوله دا ممكن يغير من الواقع ايه. بس انت لازم تعرفه؟
«حازم» بترقُب
_ اعرف ايه ؟
«سالم» بخشونة
_ انت مقربتش من لبنى يا حازم . اللي عمل كده سعيد لوحده. انت تعبت و اغمي عليك من المخدرات اللي شربوهالك .
كان يقول سيارته وهو يشعُر بأنه ولد من جديد، فهو لم يؤذيها . لم يُدنس برائتها ولم تطالها قذارته. كان يبكي و يضحك في آن واحد منذ أن ألقي «سالم» على مسامعه هذه الكلمات وهو كالمجنون يهزي باسمها فقط حتى أن عبراته تبدلت إلى الفرح لـ يهرول و يسبقه قلبها إليها فقد كان يعلم كل خطواتها. حتى أنه عندما ظهرت نتائج الثانوية كان أول من جلبها ليطمئن بأنها حققت حلمها و حصلت على مجموع كبير يُمكِنها من دخول كلية الطب فقام بإخبار «حلا» التي اخبرتها بدورها ولكنه الآن لم يعُد بحاجة إلي أحد ليكون وسيطًا بينهم، فهو الآن يستطيع أن يرفع عينيه أمامها وهو يُخبرها و يُخبر العالم أجمع بأنه يعشقها .
توقفت السيارة أمام كلية الطب فقد كان الموعد المُنتظر لخروجها فهو يعلم كل شيء عنها ولكنه كان يُتابعها في الخفاء والآن لن يتخفى أبدًا بل سيظهر و سيُظهِر كل مشاعره أمام العالم أجمع. التقمتها عينيه وهي تخرج من البوابة الكبيرة تضحك بمرح مع إحدى زميلاتها ولكنها ما أن رأته حتى تجمدت البسمة فوق شفاهها ليتجاهل صدمتها و يتقدم منها قائلًا بصوته الأجش
ـ اذيك يا لبنى عاملة ايه ؟
طال صمتها وهي تناظره و مازالت مندهشة من رؤيته أمامها الآن ولكنها حاولت التغلب على صدمتها حين أجابته بجفاء
_ الحمد لله كويسه.
«حازم» بلهفة لم يستطِع ردعها
_ ممكن نتكلم شويه ؟
ناظرته «لبنى» بقلق تألم لأجله ولكنه تجاهله ليقول بمرح
_ متخافيش مش هخطفك .احنا الضهر. أنا بس محتاج اتكلم معاكِ .
لا تعلم لما وافقته هل كان امتنانًا لأن بسببه تحيا تلك الحياة التي كانت كالحلم بالنسبة إليها ؟ أم كونه لم يقترف بحقها اي ذنب ؟
_ سرحانه في ايه كدا ؟
أخرجها من شرودها صوته لتقول بتحفُظ
_ لا عادي مفيش حاجه. ياريت تقولي كنت عايزني في ايه علشان مش عايزة اتأخر .
عبأ صدره بكمية كبيرة من الهواء قبل أن يقول بنبرة هادئة
_ انا عرفت النهاردة حاجه مهمة اوي بخصوص . بخصوص اللي حصل …
قاطعته باندفاع
_ ارجوك بلاش نتكلم في اللي حصل ..
«حازم» بلهفة
_ حاضر. أنا اصلا مكنتش هفتح فيه. أنا بس . يعني . كنت عايز اقولك .
_ عارفه . عارفه اللي انت عايز تقوله .
أخبره «سالم» أنها تعلم ولكن كان يُريد تأكيد الأمر أكثر لذا تابع بلهجة خشنة
_ طيب بما انك عارفه اللي انا عايز أقوله . هقولك انا اللي متعرفيهوش.
ناظرته بريبة فوجدت ملامح هادئة و عينين صافيتين تناظرها بطريقة غريبة احتارت في تفسيرها ولكن جاءت كلماته التالية لتجعل فكها يتدلى للأسفل من فرط الصدمة
_ انا بحبك يا لبنى و اتمنى انك تقبلي اننا نكمل حياتنا سوى .

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية في قبضة الأقدار)

في نهاية مقال رواية في قبضة الأقدار الفصل الحادي والتسعون 91 بقلم نورهان آل عشري نختم معكم عبر ويكي ثمار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى